تعود شبه جزيرة القرم إلى واجهة الأحداث السياسية والدبلوماسية الدولية، بعدما أصبحت نقطة محورية في خطة السلام التي يروّج لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
بينما يعتبر ترامب أن القرم “فُقدت منذ سنوات” ولا يجب أن تكون ضمن المحادثات، يرفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل قاطع أي اعتراف بسيطرة روسيا على المنطقة.
في فبراير 2014، بدأت الأزمة حينما سيطرت قوات روسية غير معرّفة، عُرفت إعلاميًا بـ”الرجال الخضر الصغار”، على مؤسسات في شبه جزيرة القرم، ما أدى إلى ضم المنطقة لاحقًا إلى روسيا بشكل غير معترف به دوليًا. وعلى الرغم من أن موسكو نظّمت استفتاءً سريعًا في مارس من نفس العام، فقد رفضته الأمم المتحدة واعتبرته “غير شرعي”.
يؤكد الرئيس زيلينسكي أن شبه جزيرة القرم “جزء لا يتجزأ من الأراضي الأوكرانية”، ولا يمكن التخلي عنها بموجب الدستور الأوكراني.
كما صرح بأن أي تغيير في الحدود يتطلب استفتاءً شعبيًا وقرارًا من البرلمان، ما يجعل أي تسوية تتضمن التنازل عن القرم أمرًا غير دستوري.
من الجانب الروسي، يرى الرئيس فلاديمير بوتين أن ضم شبه جزيرة القرم كان تصحيحًا لما وصفه بـ”ظلم تاريخي”، في إشارة إلى قرار الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف بنقل تبعية القرم إلى أوكرانيا عام 1954، وأشار بوتين مرارًا إلى “رابطة أبدية” تجمع روسيا بالقرم، مؤكدًا أهميتها الاستراتيجية والثقافية.
الاعتراف الأمريكي المحتمل بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم قد يشكل سابقة خطيرة تهدد مبادئ القانون الدولي، ما يثير قلق دول مجاورة مثل رومانيا، وغيرها من الدول المطلة على البحر الأسود. فقد تعتبر دول أخرى هذا الاعتراف إذنًا ضمنيًا بإمكانية تعديل الحدود بالقوة.
يمثل تتار القرم، السكان الأصليون لشبه الجزيرة، شريحة مهمة في المعادلة، فقد تم تهجيرهم قسريًا في عهد ستالين، ولم يُسمح لهم بالعودة إلا في نهاية الثمانينات.
ويشكّل التتار اليوم حوالي 15% من سكان القرم، ويعارضون بشدة السيطرة الروسية. رئيس المجلس التتاري، رفعت تشوباروف، شدد على أن القرم هي “وطن الشعب التتاري وجزء لا يتجزأ من أوكرانيا”.
مع سعي ترامب لتقديم خطة سلام شاملة، تبقى شبه جزيرة القرم العقبة الأكبر، ليس فقط بسبب الموقف الأوكراني الرافض، بل أيضًا لكونها تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المجتمع الدولي بمبادئ السيادة وسلامة الأراضي. ويتخوف مراقبون من أن يؤدي الاعتراف بسيطرة روسيا إلى تراجع في المعايير الدولية المعتمدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
