رحلت عن عالمنا، اليوم الجمعة، الفنانة والإعلامية رزيقة الطارش عن عمر يناهز 71 عامًا، لتفقد الساحة الفنية الإماراتية واحدة من رواد الفن المخضرمين، فعلى مدى أكثر من خمسة عقود، لم تكن رزيقة الطارش مجرد وجه على الشاشة، بل كانت صوتًا رائدًا في الإذاعة، وصاحبة حضور قوي على المسرح، ومؤلفة تركت بصمتها في الدراما، مما يجعل إرثها متعدد الأوجه وعميق التأثير في تاريخ الفن الإماراتي والخليجي.
وتكشف مسيرة رزيقة الطارش عن فنانة شاملة لم تكتفِ بالنجاح في مجال واحد، بل تنقلت بين مختلف أشكال الفن، تاركة بصمة في كل ركن من أركان المشهد الثقافي. لفهم حجم هذه الخسارة، لا بد من تفكيك الأدوار المتعددة التي لعبتها هذه الفنانة الاستثنائية.
قبل أن تصبح وجهًا مألوفًا على شاشات التلفزيون، كانت رزيقة الطارش صوتًا رائدًا في الإعلام الإماراتي. ففي عام 1969، التحقت بالعمل رسميًا في إذاعة أبو ظبي، لتصبح بذلك واحدة من أوائل الإعلاميات في دولة الإمارات. هذه البداية الإذاعية المبكرة منحتها حضورًا وثقة، وصقلت قدرتها على التواصل مع الجمهور، وهي المهارات التي انتقلت معها لاحقًا إلى التلفزيون، حيث قدمت العديد من البرامج التلفزيونية في فترة السبعينيات.
وشكلت الدراما التلفزيونية الساحة الأبرز التي تألقت فيها رزيقة الطارش، حيث تضم مسيرتها الفنية أكثر من 40 مسلسلًا. وقد عُرفت بأسلوبها التلقائي والعفوي، وقدرتها على تجسيد مختلف الأدوار ببراعة، خاصة شخصيات الأم والأخت والجدة في الأعمال الاجتماعية والكوميدية. كانت انطلاقتها الحقيقية في عام 1976 من خلال أعمال بارزة مثل “أشحفان” و”الغوص”.
ومن أبرز ملامح مسيرتها التلفزيونية، تشكيلها لثنائي كوميدي ناجح ومحبوب مع الممثل جابر نغموش. وقد تميزت مشاهدهما معًا بانسجام واضح وكيمياء فريدة، وظهر ذلك في أعمال خالدة مثل “حاير طاير” و”طماشة” و”بحر الليل”. كما قدمت رزيقة الطارش أدوارًا تراثية واجتماعية مهمة في مسلسلات مثل “حظ يا نصيب” و”دروب المطايا” و”القياضة”.
لم تقتصر مواهب رزيقة الطارش على الأداء أمام الكاميرا أو الميكروفون، بل امتدت لتشمل الكتابة والتأليف المسرحي. ففي مجال الكتابة الدرامية، كان أول عمل لها هو المسلسل الكوميدي “ناعمة ونعيمة”، والذي أثبت قدرتها على صياغة الحوار والقصة. وواصلت مسيرتها في التأليف، وقدمت عددًا من المسلسلات المتميزة الأخرى، من بينها “عذاب الضمير” و”عتيجة وعتيج”.
أما على خشبة المسرح، فقد كانت لها بصمة واضحة في فترة السبعينيات، حيث شاركت في بطولة خمس مسرحيات بين عامي 1969 و1979، منها “الله يالدنيا” و”الصبر زين”. هذا التنوع بين المسرح والتلفزيون والكتابة هو ما يميز مسيرة رزيقة الطارش الفنية.
وبدأت المسيرة الحافلة التي امتدت لخمسة عقود لـ رزيقة الطارش في سن مبكرة جدًا. فقد خطت خطواتها الأولى في عالم الفن وهي في التاسعة من عمرها، من خلال مشاركتها في برنامج الأطفال “أبوسعد وأم سعد”. وفي العاشرة من عمرها، شاركت في برامج تمثيلية أخرى، مما يدل على أن موهبتها كانت فطرية وظهرت منذ نعومة أظفارها.