علوم

هل يمكن للحيوانات أن تتعلم لغة غيرها؟

أثبتت دراسات حديثة أن بعض الحيوانات تتقن فهم إشارات صوتية لأنواع أخرى، بل وتستطيع محاكاتها أحيانًا لخداعها، ويؤكد العلماء أن هذه الظاهرة تفتح آفاقًا جديدة لفهم القدرات العقلية للحيوانات، رغم استمرار الغموض حول نواياها.

ففي إفريقيا، كشفت أبحاث أجراها «توماس فلاور» أستاذ البيولوجيا بجامعة «كابيلانو» الكندية، أن طائر الـ«دونجو» أسود الذيل يتبع مستعمرات حيوانات السرقاط (حيوان ينتمي إلى عائلة النموس)، ويصدر نداءات تحذيرية تفيد بوجود مفترس، فيفر السرقاط تاركًا طعامه، فينقض الطائر عليه. لكن حينما أدركت السرقاط خداعه، طور أسلوبه، صار الدونجو يحاكي نداءاتها التحذيرية الجديدة، ما أربكها وأبقى على مخططه ناجحًا.

هذا السلوك يعكس قدرة «الدونجو» على تعلم أصوات أنواع أخرى، واستخدامها استراتيجيًا، وهو ما دفع فلاور إلى وصفه بأنه «متعلم مفتوح»، أي قادر على اكتساب إشارات جديدة وتوظيفها. وأشار في رسالة لـمجلة «لايف ساينس» إلى أن الطائر قد لا يدرك أنه يخدع السرقاط عمدًا، إذ لم تثبت بعد نية الخداع، مما يجعل فك ألغاز ذهنه مهمة معقدة.

هل تتحدث الطيور «لغة مشتركة»؟

من جهة أخرى، أوضحت دراسة أعدها «بنيامين فان دورين» أستاذ علوم الموارد الطبيعية بجامعة «إلينوي» الأمريكية، أن طيورًا مغردة تستوعب أصوات أنواع أخرى أثناء هجرتها، مما يساعدها على تجنب الأخطار. وقد تتبع فريقه تسجيلات لأنواع مختلفة، ووجدوا نمطًا متكررًا لتداخل أصواتها، مما يلمح إلى وجود «تواصل بين الأنواع» خلال الرحلة.

وصرح فان دورين لـ«لايف ساينس» بأن هذه النتائج تنسف الاعتقاد بأن الهجرة تجربة فردية منعزلة، مشيرًا إلى أن تلك الطيور ربما تجمعها روابط اجتماعية، وأن أصواتها قد تحمل «معلومات أكثر مما نفهمه الآن».

كيف يفسر العلماء هذه القدرات؟

يرى الباحثون أن وصف هذه الممارسات بـ«اللغة» مجازٌ يشوبه قصور، لأن اللغة – وفقًا لـ«سيمون تاونسند» أستاذ الأنثروبولوجيا التطورية بجامعة «زيورخ» السويسرية – نظام تواصل بشري فريد، بينما يهتم العلماء عند دراسة الحيوانات بالبحث عن «الربط بين صوت ومعنى محدد» دون إسقاط المفاهيم البشرية.

وأضاف تاونسند لـ«لايف ساينس» أن الطيور، بخاصة المغردة، تُعد أفضل نموذج لدراسة التقاط أصوات أنواع أخرى. فبجانب الهجرة، تبين أن بعضها يستمع إلى نداءات إنذار من طيور مغايرة، فيتصرف وفقًا لها، مما يعزز بقائه.

لماذا يبقى الغموض قائمًا؟

رغم تلك الاكتشافات، تظل نوايا الحيوانات مثار تساؤل. فمثلًا، صغار «الدونجو» تبدأ تقليد الأصوات دون وعي بخداعها، بما يشابه الأطفال الذين يرددون كلمات قبل إدراك معانيها. لذا يؤكد فلاور أن إثبات «القصدية» – أي معرفة الطائر بأنه يخدع – يحتاج تجارب دقيقة، لم تبرهن بعد.

أما عن طيور الهجرة، فلم يفك العلماء شيفرات أصواتها، ولا يعلمون هل تحمل رسائل محددة، أم أنها مجرد ردود فعل لا تتجاوز حدود الغريزة. ويعتقد فان دورين أن هذه الأصوات ربما تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه.

ويرى العلماء أن فهم تواصل الحيوانات يكشف عن ذكاء خفي، ويفتح بابًا لدراسة كيفية تطور «اللغة» لدى البشر. فمثلما تتعلم بعض الطيور أو «الدونجو» إشارات الآخرين، يُرجح أن الإنسان الأول التقط أصواتًا من بيئته، وطوّرها إلى أنماط لغوية معقدة.

وبحسب فلاور، فإن قدرة حيوان على تغيير نداءاته وفقًا لنجاحها أو فشلها، تشي بأن «الدماغ الحيواني» ليس مجرد مستودع للغرائز، بل قادر على التكيف والابتكار. ويضيف أن هذه الدراسات تسلط الضوء على الروابط الخفية بين الأنواع، مما يسهم في حماية النظم البيئية، إذ إن انهيار نوع واحد قد يقطع شبكة التواصل ويهدد حياة آخرين.

من جهة أخرى، يشدد تاونسند على أن فهم التواصل الحيواني قد يكشف أوجهًا مشتركة مع لغة البشر، وربما يقود إلى إدراك جذور الكلام البشري. لكن تحقيق ذلك يتطلب تجاوز إسقاط مفاهيمنا الإنسانية، والإنصات بآذان مفتوحة إلى أصوات الطبيعة.