بفوزه يبدأ الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان في تنفيذ سياسته التي تعهد بها خلال حملته الانتخابية، والتي تقوم بالأساس على دعم الحريات الاجتماعية وتحقيق مزيد من التعاون مع الغرب.
وبعد أن تمكّن بزشكيان من هزيمة خصمه الأبرز المحافظ سعيد جليلي، اعتبر الكثيرون أن فوز الرئيس الجديد بأنه “بداية فضل جديد” للبلاد.
وخلال الخطاب الذي ألقاه بزشكيان – 69 عامًا- تعهد الرئيس الجديد بأن يكون زعيمًا “لكل الإيرانيين”، وقال إن الحكومة ستتحمل المسؤولية وتمضي قدمًا في الإصلاحات.
واعترف الرئيس الجديد أيضًا بالعزوف الواضح من الناخبين، بعد أن بلغت نسبة المشاركة فقط 50%.
وعبر الزعيم الإيراني الذي جاء خليفة للراحل إبراهيم رئيسي عن أمله في تخفيف العقوبات الأمريكية والحرب على الإيرانيين.
وقال بزشكيان من طهران عند ضريح آية الله روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979: “لقد جئت سعيًا إلى السلام الدائم والهدوء والتعاون في المنطقة، فضلاً عن الحوار والتفاعل البناء مع العالم”.
وكان المرشح، وهو نائب عن مدينة تبريز، واحدًا من ستة مرشحين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور الإيراني المؤثر للترشح للرئاسة بعد وفاة إبراهيم رئيسي، الذي انتخب في عام 2021، في حادث تحطم مروحية في مايو.
اقتناص كرسي الحكم
خلال الجولة الأولى من الانتخابات التي عُقدت في 28 يونيو الماضي، تمكّن بزشكيان من الحصول على أكبر عدد من الأصوات، ولكنه لم يتخطى نسبة 50% من الإجمالي.
وأسفرت تلك النتائج عن جولة إعادة بين أعلى مرشحين هما مسعود بزشكيان ومنافسه المتشدد سعيد جليلي.
وحصل بزشكيان في الجولة الثانية على 16.3 مليون صوت، في مقابل 13.5 مليون صوت للمنافس سعيد جليلي، بما يُشير إلى أن المرشح الإصلاحي تمكن من حشد أكبر عدد من الأصوات.
وبمجرد إعلان نتيجة الانتخابات، خرج الإيرانيون في طهران وتبريز إلى الشوارع للاحتفال من خلال الموسيقى وإطلاق أبواق السيارات، وفق ما وثقته مقاطع فيدية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتولى بزشكيان المنصب وسط توترات وأزمات سياسية أبرزها مع إسرائيل، في الوقت الذي يتمتع فيه بصلاحيات محدودة.
سياسة الرئيس الإيراني الجديد
يتبني بزشكيان سياسية إصلاحية ولكنها لا تخرج عن إطار الحكم الديني في البلاد تحت قيادة آية الله خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني.
وتعهد خامنئي بسد ما وصفه بـ”الفجوة” في إيران بين الشعب والحكومة، وذلك من خلال الاهتمام بالفئات المهمشة والقضاء على الفقر والتمييز والفساد، بحسب ما جاء في خطاب ألقاه هذا الأسبوع.
كما دعا خلال حملته الانتخابية بتخفيف بعض القيود على الحريات الاجتماعية، ومن بينها قواعد اللباس الإلزامية في إيران للنساء، وإلغاء القيود على الإنترنت.
كما أن بزشكيان يدعم المزيد من الشفافية في القطاعين المصرفي والمالي، ومن بينها إزالة إيران من القائمة السوداء لمجموعة العمل الدولي – هيئة مراقبة عالمية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب – من خلال مجموعة من التدابير.
وفيما يخص السياسة الخارجية، يسعى بزشكيان إلى توطيد العلاقات مع الغرب، من خلال مفاوضات تهدف لتخفيف التوترات وخصوصًا مع الولايات المتحدة.
وقال إنه يريد إحياء المحادثات بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على إيران وجذب الاستثمارات الأجنبية لتعزيز الاقتصاد المتعثر.
ويرى بعض الدبلوماسيون وخصوصًا وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، إن إيران في عهد رئيسها الحالي ستكون أكثر توحدًا من أي وقت مضى، وأنها ستكون قادرة على مواجهة التحديات وتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة وإعادة تأكيد دورها في النظام العالمي الناشيء.
وقال مهرزاد بوروجردي، وهو محلل إيراني وعميد في جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا، إن فوز بزشكيان المفاجئ يوم السبت أظهر أنه تمكن من توسيع قاعدة دعمه، سواء من الإصلاحيين أو المحافظين الأكثر اعتدالا.
التحديات أمام بزشكيان
كان موقف جليلي المتشدد من بين الأسباب التي دفعت بزشكيان نحو الفوز، إذ إنه يتبنى سياسة عدائية تجاه الغرب، وكان يرغب في في توثيق العلاقات مع روسيا.
وأرسل جليلي برقية تهنئة إلى الرئيس الجديد وتعهد بمساعدته على تحقيق الهدف المشترك وهو رفع شأن الجمهورية الإسلامية.
ولكن ربما يقف المحافظون المتشددون الذين يسيطرون على أذرع الحكم، عقبة أمام تحقيق تلك الأهداف التي يتبناها الرئيس الجديد.
ويقول بوروجردي “إن المحافظين سوف يحاولون خلق العقبات منذ اليوم الأول، وأن بزشكيان لن يحظى بشهر عسل طويل وسوف يفرضون القيود على أي شيء قد يحاول القيام به”.
من جانبه أصدر خامنئي بيانًا فيها دعا إلى الوحدة بين الأطياف المتنافسة، وأن تتحول تلك المنافسة المتعلقة بالانتخابات إلى أخلاق رفقة.
من ناحية أخرى، قد يكون موقف بزشكيان ضعيفًا بسبب ضعف الإقبال واسع النطاق على التصويت، وهو ما دفعه لمطالبة الحكمة بالوقوف على أسباب هذا العزوف.
ويرى رجال الدين الحاكمون في إيران أن المشاركة الكبيرة في الانتخابات تشكل مفتاحا لشرعيتهم في وقت يواجهون فيه أزمات داخلية وإقليمية.
أزمات داخلية وخارجية
تبرز الأزمة الأكبر في الخارج أمام إيران هي التوترات الإقليمية التي صاحبت العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي دفعت الطرفان إلى مناوشات صاروخية وتوعدات بالهجوم والرد.
وجاء ذلك على أثر الهجوم الذي شنته إسرائيل على السفارة الإيرانية في دمشق، وردت طهران وقتها بأول هجوم عسكري مباشر لها على تل أبيب.
وفي الداخل، لا يزال العديد من الإيرانيين يعانون من آثار حملة القمع الوحشية التي شنتها الحكومة على الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد في عام 2022، بعد وفاة مهسا أميني، وهي شابة كردية، أثناء احتجازها لدى “شرطة الأخلاق” التي تحظى باستنكار واسع النطاق.
وفي أعقاب الانتفاضة، ضاعف النظام إجراءاته، فحكم على بعض المتظاهرين بالإعدام، وزاد العقوبات على النساء اللاتي يخالفن قواعد اللباس الصارمة.
وأمام تلك الاضطرابات الاجتماعية والأزمة الاقتصادية تبرز التحديات أمام الرئيس الحالي، والتي تتطلب سياسة حكيمة في التعامل معها.
المصدر: واشنطن بوست