يبدو أن الجيل Z له آرائه المختلفة بخصوص الوظيفة، فحتى قبل أن تتخرج مولي جونسون جونز من جامعة أكسفورد عام 2015، كانت تشعر بضغوط لأن تحصل على وظيفة مرموقة في مجال عمل حيوي.
تقول إنها شعرت، هي وزملاؤها في الجامعة، أن ثمة قطاعات بعينها أكثر تميزًا من غيرها وتحديدًا قطاعات التمويل والاستشارات والطب والقانون. كان هذا السبب في أن جونسون جونز قد انتهى بها المطاف للعمل في قطاع التمويل المصرفي لعامين بعد تخرجها، رغم شعورها بأنه ليس مناسبًا لها تمامًا.
أعمال تقليدية
“هذه الأنواع من قطاعات العمل التقليدية للغاية”، حسبما يقول جونا ستيلمان، المؤسس المشارك لشركة “جينجورو”، الشركة الاستشارية التي تركز على الأجيال المختلفة في مكان العمل، “لها بالفعل مكانتها المرموقة”.
يقول ستيلمان، المنتمي للجيل Z، إن هذا الشعور موجود في مؤسسات التعليم الجامعي، لكنه يضيف أن الكثيرين من مختلف الأجيال قد شعروا بالضغط قبل الجامعة بفترة طويلة لاتخاذ هذه المسارات، من أفراد الأسرة أو مستشاري المدارس الثانوية.
يقول أندرو روث، 24 عامًا، خريج 2021 من جامعة فاندربيلت بولاية تينيسي الأمريكية: “لقد نشأنا بهذا التوقع لمستقبلنا. عندما التحقت بفاندربيلت، قادتني كل المسارات سريعًا إلى مجال التمويل والاستشارات. فقط كان من السهل جدًا الانقياد إلى هذا المسار، كان الجميع يسيرون نحوه”.
يقول روث إنه قد استقبل هذا الضغط لاتخاذ المسار نفسه، من الأجواء التنافسية لجامعته، ومن زملائه في الجيل والخريجين العاملين في مناصب قوية في هذه المجالات.
اتساع نطاق الوظائف
مع انضمام الجيل Z إلى طاقة العمالة، يقول العمال من المتمرسين ومن الأصغر سنًا، إن ما قد اعتُبِر وظائف رفيعة المستوى في السابق قد اتسع نطاقه، بل وقد يصبح أقل أهمية على نحوٍ عام.
لا يزال بعض العمال الأصغر سنًا يعتبرون أن كسب المال أمر له أهميته، لا سيما مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وأن العمل لدى شركات أو صناعات بعينها يمكن أن يصنع مستقبلًا مهنيًا جيدًا. غير أن العديد منهم يركز كذلك على اعتبارات أخرى، مثل قيم الشركة، والمرونة، والاستقلالية، والتحرر من محرقة العمل لساعات طويلة.
تقول دانييل فاراج، خريجة 2020، البالغة 24 عامًا، إنها شعرت أيضًا بوجود تعريف محدود للوظيفة المرموقة في أثناء وجودها بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، وضغوط صريحة للسعي إلى وظيفة راقية، خصوصًا من قبل أقرانها. تقول فاراج، المقيمة في بروكلين بنيويورك، والمنتمية كذلك للجيل Z: “كان هناك الكثير من الضغط، وهو مكثف جدًا، لأن الجميع ينشرون على السوشيال ميديا عن وظائفهم”.
نفس المسار المحدود
لا يزال الكثيرون من المنتمين لجيل Z– خصوصًا أولئك الذين يدرسون في الجامعات الراقية – يختارون المجالات رفيعة المستوى. توافق فاراج على أن الكثيرين من حديثي التخرج “ما زالوا يريدون اتخاذ المسار المستقيم المحدود نفسه”، فهي تعرف الكثير ممن ما زالوا ينجذبون “للمكانة الاجتماعية إلى حد كبير، لأن كل من حولهم يسعون للحصول على وظيفة في إحدى شركات الاستشارات الكبرى.. يقولون: سنذهب للتدريب في هذا البنك الكبير أو ذاك الصيف القادم”.
لكن فاراج رأت كذلك أن الكثير من المنتمين للجيل Z يعيدون تعريف معنى الوظيفة المرموقة على أنها الوظيفة التي ستعزز حياتهم. قد يكون ذلك منصبًا يُمكِّن العامل من العيش وفقًا لنمط الحياة الذي يريده، سواء أكان رائد أعمال، أو في صناعة تتوافق مع قيمه وشغفه، أو وظيفة تمكنه من بناء علامته التجارية الخاصة بجانبها.
فاراج نفسها مثال على ذلك. فهي تعمل في وظيفة بدوام كامل كمديرة للنمو والتسويق في شركة ناشئة، بينما تركز أيضًا على بناء نشاطها التجاري الجانبي كباحثة مستقبلية في العمل، بالتركيز على تجارب الجيل Z.
وتضيف: “أن تكون قادرًا على اكتساب الخبرة في مجال الأعمال وبناء شغفك، بالنسبة لي، هذا نوع من التحقق”.
فترة الوباء
روث أيضًا وجد نفسه يبتعد عن مساره المهني المتوقع في مجال التمويل والاستشارات، خصوصًا عندما حدث وباء كوفيد-19 في أثناء فصل دراسي خارجي. يقول إنه خلال فترة الوباء أصبح واضحًا بالنسبة له “أن الكثير من المنظمات كانت تواجه صعوبة في الإنصات لاحتياجات الشباب وفهمها”. بعد التخرج، ركز روث جهوده على ريادة الأعمال، وأنشأ شركة “دي سي دي إكس” وهي شركة أبحاث واستراتيجيات من الجيل زد.
يقول روث المقيم في نيويورك: “يبدو أن علاقتنا بالمكانة الاجتماعية قد تغيرت. المكانة الاجتماعية مرتبطة بـ.. باتباع الطرق المعتادة. وأعتقد أن هناك رفضًا كاملًا لذلك، خصوصًا من الجيل التقدمي الحالي”.
أعمال ذات معنى
تشير بعض البيانات إلى أن الجيل Z يتجه بالفعل إلى أعمال ذات معنى أكثر. أشارت بيانات “لينكد إن” لشهر أبريل 2023، لأكثر من 7000 عامل عالمي، والتي عرضتها “بي بي سي وورك لايف”، إلى أن 64% من المنتمين لجيل زد في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأيرلندا، يعتبرون الآن أن من المهم أن يعملوا لدى شركات تتوافق مع قيمهم. تُظهِر البيانات أيضًا أن هؤلاء الشباب يركزون على التوازن بين العمل والحياة، والنمو الوظيفي، باعتبارهما أفضل عوامل الجذب لأماكن العمل المحتملة.
تحول العقلية
إلى جانب المواقف المتغيرة للجيل زد، اعتناق ريادة الأعمال والتركيز على القيم، فقد يكون هذا التحول للعقلية في جزء منه بسبب أن آلية العثور على الوظائف والبحث عن المسارات الوظيفية البديلة المحتملة، قد تغيَّـرت، بحسب ما يقول جوش جراف المدير الأقليمي لمنطقة أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية في “لينكد إن”.
مع ازدياد عدد الوظائف التي يتم نشرها عبر الإنترنت، صار الأفراد “يتمتعون بوصول أكبر إلى المعلومات اليوم، أكثر مما كان متاحًا لنا عندما كنا نتقدم للحصول على وظيفة قبل أكثر من 20 عامًا.. هذا يتيح لك الحصول على رؤية أفضل للكثير من الأدوار”. يضيف: “هذا التحول في مكان العمل، وفي قوة العمالة، جعل الناس يدركون أن هناك مجموعة أوسع من الخيارات المتاحة”.
تعريف متغير للعمل المرموق
جونسون-جونز، البالغة من العمر 30 عامًا، تقول إن التعريف المتغيِّـر للعمل المرموق، ينتقل أيضًا إلى الأجيال الأكبر سنًا، بما في ذلك جيل الألفية، مثلها.
تركت جونز العمل المصرفي الاستثماري “من أجل صحتها”، وأطلقت أخيرًا شركتها الخاصة “فليكسا كاريرز”، الدليل العالمي لشركات العمل المرن. تعتقد جونز أن العمال الأكبر سنًا يعبرون عن مشاعر مماثلة للجيل زد، وأنهم يعيدون حساباتهم بخصوص ما يُعَد وظيفة راقية؛ فهم يعيدون بالمثل تعريف معنى الكلمة على أنها المهن التي توفر أنماطَ حياة أفضل.
غير أن الاختلاف، كما تقول جونسون-جونز، هو أن الكثيرين من جيل الألفية يعيدون تخيُّـل هذا التعريف بدافع الضرورة، وغالبًا ما يكونون متأثرين بالمجالات التنافسية ذات ساعات العمل الطويلة، التي شعروا بأنهم مضطرون لدخولها بعد التخرج من الجامعة. تقول: “لسنا بحاجة للعمل 60 ساعة أسبوعيًا في المكتب من أجل الحصول على منصب أو أجر لائق.. لأن كم شخص لديه الوقت لصرف المال، على أي حال؟”
من جانبه يعتقد روث أن الكثير من أصدقائه الذين سلكوا طريق المكانة الاجتماعية التقليدي، يعيدون التفكير كذلك في خياراتهم. “أظن أن كثير منهم ينظرون لي ببعض الحسد ويقولون: نتمنى لو أننا فعلنا ما فعلته. عقلية الناس تتغير نحو هذا الاتجاه”.
“الطفرة” مقابل “الألفية” و”X”.. أي جيل يحكم العالم؟
ما هو متوسط الراتب الذي يحتاجه الجيل Z للشعور بالنجاح في العمل؟