في الثاني من مايو 2011، أغارت قوات خاصة من البحرية الأمريكية على مجمع سكني في مدينة آبوت أباد الباكستانية وقتلت زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي كان يوصف بأنه “أكثر الإرهابين المطلوبين في العالم” بعد أن فضح مخبأه حبل غسيل.
ذلك ما كشفه كتاب “صعود وسقوط أسامة بن لادن” لبيتر بيرجن، محلل الأمن القومي والصحفي بشبكة “سي إن إن” الأمريكية، الذي أبرز كيف اكتشف الولايات المتحدة مكان اختباء زعيم تنظيم القاعدة.
ووفقا لمقتطفات الكتاب الذي نشرته صحيفة “نيويورك بوست” في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والتي أودت بحياة 2977 شخصًا، اختبأ الرجل الذي أسس القاعدة لشن هجمات على الغرب في الجبال الأفغانية وفي شمال باكستان هربًا من القوات الأمريكية.
تبدد حرارة المطاردة
ولكن بحلول العام 2004، حينما غرقت الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق، شعر أسامة بن لادن بتبدد حرارة المطاردة.
وعلى إثر ذلك، أمر أكثر المطلوبين في العالم حارسه الشخصي، إبراهيم سعيد أحمد عبد الحميد، بشراء قطعة أراض لبناء حصن كبير بما يكفي لإيواء الأسرة التي كان ينوي زعيم تنظيم القاعدة جمع شملها في أبوت آباد، بباكستان.
وبالفعل، اشترى إبراهيم قطعة الأرض باسمه وصمم منزلا بقيمة 50 ألف دولار، وفقا لمواصفات زعيمه.
وكان المنزل الرئيس المكون من ثلاثة طوابق يحتوي على أربع غرف نوم في الطابق الأول وأربع غرف نوم أخرى في الطابق الثاني، ولكل منها حمام خاص بها. واحتوى الطابق العلوي على غرفة نوم وحمام وشرفة لاستخدام بن لادن.
وفي العام 2005، بدأ أفراد الأسرة في الانتقال إلى المنزل الذي كان في الظاهر أنه لإبراهيم وشقيقه. وكانا وزوجتيهما وأطفالهما يأتون ويذهبون بانتظام. لكنهم أقاموا في ملحق صغير، وليس في المبنى الرئيس، بحسب ما نقلت “نيويورك بوست” عن الكتاب.
واتبع الأخوان إجراءات أمنية عملياتية صارمة للحفاظ على سرية المعلومات، فاستخدما أكشاك الهاتف العامة في المدن الكبيرة لإجراء المكالمات المهمة، وأنتزعوا بطاريات هواتفهم المحمولة حتى لا يمكن تعقبهم إلى قاعدتهم الرئيسية.
وبحسب ما يذكر بيتر بيرجن، في كتابه: “نادرًا ما غادر آل بن لادن المجمع، باستثناء زوجته أمل، التي ذهبت مرتين إلى مستشفى محلي لتلد تحت اسم مستعار، وتظهر أوراق هوية مزورة وتتظاهر بالصمم لتجنب الأسئلة المحرجة”
معلومة مهمة
بعد سنوات، في العام 2010، حصلت وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إيه)، على معلومة مهمة، إذ اكتشف مخبر باكستاني في مدينة بيشاور المزدحمة رجلاً يعتقد أنه إبراهيم، الحارس الشخصي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
وفي أغسطس 2010، قادت سيارة الجيب البيضاء التابعة لإبراهيم الـ”سي أي إيه” إلى جدران المبنى ذات الأسلاك الشائكة التي يبلغ ارتفاعها 18 قدمًا. ووفقا لـ”بيرجن” كان المكان ممتلئًا بزوجات بن لادن الثلاث، وثمانية من أطفاله الصغار، وأربعة أحفاد، من بينهم أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و 3 أعوام.
وكان للعقار العديد من الميزات غير العادية التي جعلت محللي وكالة المخابرات المركزية يلاحظون ذلك. لم يكن لديه خطوط هاتفية أو خدمة إنترنت، على الرغم من حقيقة أن من قام ببنائها كان بالتأكيد ثريًا بما يكفي لتحمل مثل هذه الضروريات. كان المنزل الرئيس الكبير يحتوي على عدد قليل من النوافذ، وكانت شرفة الطابق العلوي في الهواء الطلق محاطة من جميع الجوانب بجدار عالٍ.
“من يضع جدار الخصوصية حول فناء؟” سأل مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، ليون بانيتا، موظفيه.
أجاب أحد المحللين: “بالضبط”.
أقامت الوكالة منزلاً آمنًا بالقرب من المجمع الغامض لإجراء دراسة “نمط الحياة” على من كان يعيش هناك. ووفقا للكتاب، فبينما كان الجيران يضعون نفاياتهم في أماكن جمع القمامة العادية، أحرق سكان المجمع جميع النفايات.
أيضا، كانت مساحة الأرض المحاطة بالجدران تحتوي على مزرعة صغيرة تنتج التفاح والخضروات والعنب والعسل وتأوي الدجاج وحتى الأبقار – وهو طعام كان على ما يبدو يستهلكه سكان غير مرئيين.
“حسابات الغسيل”!
لكن الدليل الأخير كان حبال الغسيل في المجمع، والتي كانت ترفرف كل يوم بملابس النساء، والزي التقليدي الذي يرتديه الرجال الباكستانيون، وملابس الأطفال وحفاضات الأطفال، وهو أكثر بكثير مما يمكن أن يرتديه 11 فردًا من عائلات الحارسين الشخصيين.
وفي ضوء هذا، كان السكان غير المرئيين، حسب خبراء الـ”سي أي إيه” وفقا لـ”حسابات الغسيل”، يجب أن يشملوا رجلًا بالغًا، والعديد من النساء البالغات، وتسعة أطفال على الأقل، وهو ما يناسب تمامًا مع زعيم تنظيم القاعدة.
وبعد أكثر من تسع سنوات في الاختباء، تعرض أسامة بن لادن للخيانة من قبل “غسيل الأسرة”. وكان ذلك كافيا لمدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، ليون بانيتا، ليقدم في 14 ديسمبر 2010، أدلة الـ”سي أي إيه” إلى الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما.
ورغم أن العملاء وكالة الاستخبارات المركزية لم يتمكنوا أبدًا من التقاط صورة محددة بوضوح لابن لادن لإثبات أنهم اكتشفوا أخيرًا مكان اختبائه، لكن كان أوباما مقتنعا بأنه هناك. وأمر البحرية الأمريكية بالبدء في التخطيط للعملية التي قضت في النهاية على زعيم تنظيم القاعدة في سن 54 – وهو قرار لم يكن ليُتخذ أبدًا إذا كان أسامة بن لادن قد فكر في إعطاء زوجاته مجفف ملابس، وفق بيرجن.
الغارات الإسرائيلية على سوريا.. أبرز الضربات منذ بداية الحرب