تواجه روسيا أزمة ديموغرافية رهيبة، ولا يبدو أنها ستختفي قريبًا، حيث إن الانخفاض الكبير في عدد السكان الطبيعي خلال الأشهر الستة الماضية أكثر من ضعف المعدل الذي حققته الفترة الزمنية نفسها العام الماضي، وهو ما دفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى دعم العائلات الكبيرة الأسبوع الماضي، قائلًا: “أسرة قوية تربي طفلين أو ثلاثة أو أربعة أطفال، هكذا يجب أن تكون صورة روسيا المستقبلية”، إلا أن السيطرة على هذه الأزمة ستكون مهمة شاقة أمام الرئيس الروسي، فما السبب؟
الطلاق
بدأ الثقب الأسود الديموغرافي الحالي في روسيا مع الحروب المدمرة في التسعينيات، ولكن في الوقت الحاضر، وبعد ثلاثة عقود من استقلال روسيا الحديثة في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي، يبدو أن الأزمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الأخرى في جميع أنحاء البلاد تتسبب في تفاقم هذه الأزمة التي يعد الطلاق من أهم أسبابها، فقد أفادت دائرة الإحصاء الحكومية أنه اعتبارًا من عام 2020، انتهت 73% من الزيجات الروسية بالطلاق، كما انتهت 48% من هذه الزيجات قبل إنجاب الأطفال.
[two-column]
وفقًا للأرقام التي نشرتها صحيفة موسكو تايمز، بلغ عدد سكان روسيا 146.05 مليونًا اعتبارًا من 1 يناير 2021، بانخفاض قدره 702 ألف شخص في عام واحد.
[/two-column]
عدم الرغبة في الإنجاب
إذا ظل معدل المواليد 1.5 طفل لكل أسرة، قد ينخفض عدد السكان في روسيا إلى 70 مليونًا بحلول نهاية هذا القرن، لكن من الصعب تحقيق الهدف الوطني الروسي الجديد المُتمثل في زيادة معدل الإنجاب مع عدم رغبة عدد كبير من النساء الروسيات في الإنجاب، واللاتي يمثلن نحو 51% من الروسيات، وذلك لأسباب تتعلق برغبتهن في التركيز على حياتهن المهنية، أو تعرضهن للعنف الأسري، فقد ذكرت صحيفة نوفايا غازيتا الشهر الماضي أن اثنتين من كل ثلاث نساء مقتولات في روسيا قتلا على أيدي أفراد الأسرة.
مساكن صغيرة، وأجور قليلة
من أبرز الأسباب التي تدفع الأزواج الروس الشباب إلى تفضيل عدم الإنجاب إقامتهم في شقق صغيرة مع كسبهم رواتب متواضعة، لذلك تبذل السلطات الروسية كل ما في وسعها لوقف التدهور السكاني بمنح الروس الملتزمين بإنجاب طفل ثانٍ حوالي 6 آلاف دولار، وهو ما يعرف بـ “رأس مال الأمهات”.
ارتفاع معدل الوفيات
أكثر من نصف الوفيات في روسيا سببها النوبات القلبية، وارتفاع ضغط الدم، والسكتات الدماغية، فواحد من كل ثلاثة رجال روس لا يعيش حتى عمر الستين، وتعد عطلة رأس السنة الجديدة الرسمية التي تستغرق أسبوعين هي أخطر الأوقات الروسية؛ إذ يموت خلالها الآلاف بسبب الإفراط في شرب الخمر، أو التجمد حتى الموت، ومع انتشار فيروس كورونا، بلغت الوفيات الزائدة المرتبطة بالجائحة نحو 475 ألف شخص.