ليس محض يومٍ لتقدير العُمال، ويوافقه عُطلة رسمية في أغلب دول العالم، فحكاية “يوم العُمال” أكبر من ذلك بكثير، وترتبط مباشرة بتغيير جذري في عالمنا وهو “عدد الساعات في دوام العمل”، الشيء الذي بدأته استراليا يوم 21 ابريل العام 1856، باقتراح ساعات العمل بـ 8 ساعات، لتنتقل الفكرة إلى الولايات المتحدة وكندا، المناطق التي شهدت مطالبات بتحديد ساعات العمل فعلاً.
لكن التاريخ يسطر السبق للعاصمة النيوزيلندية ولينغتون في الحصول على 8 ساعات يوميا للدوام في العام 1840، بجهود النجار صامويل في الحصول على هذا الحق، رغم أن نيوزيلندا احتفلت بأول عيد عمال في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1890، ثم عدّلته إلى رابع يوم اثنين من أكتوبر كل عام.
الدور الأمريكي
بعد فترة كساد طويل في الولايات المتحدة، وبعد الحرب الأهلية، توسعت البلاد في مجال الإنتاج الصناعي، وكانت ولاية شيكاغو واحدة من أهم المراكز الصناعية الأميركية في تلك الفترة، حيث يتحصل العمال على أجر لا يتعدى 1.5 دولار يوميا، وغالبيتهم من أصول ألمانية، بينما لا يقل دوامهم عن 10 ساعات يوميا طيلة 6 أيام في الأسبوع، ما جعل شيكاغو مركزًا لمساعي عديدة في تنظيم وتحسين ظروف العمال.
لم يرضخ أرباب العمل لهذه الأفعال وردّوا بإجراءات قاسية، كطرد العمال من أعمالهم وعمل قوائم سوداء بأسماء العُمال المنتمين إلى النقابات، وذلك لمنع تشغيلهم، أما المضربين عن العمل فقد كافحوهم بعناصر معينة تعمل لصالحهم، ووظفّوا أيضًا الجواسيس وبلطجية وقوات الأمن الخاصة ضدهم، بل وأثاروا النعرات العرقية بين العمال، لتقسيمهم وشراء ولاء بعضهم.
وأيضًا تصاعدت حدة المطالب العمالية خلال فترة الكساد بين عامي 1882 و1886، إذ دخل المعنيون بها في صراع مرير مع أرباب الأعمال وكبريات الشركات والمصانع فيها، بدعم من المنظمات الاشتراكية والفوضويون الناشطين في الولايات المتحدة ونقابات العمال فيها.
سر الأول من مايو
جاء الخبر المنتظر في أمريكا في أكتوبر من العام 1884، حين عُقد اجتماع للاتحاد الوطني لنقابات العمال والتجار، حددوا فيه الأول من مايو عام 1886 للبدء بالعمل 8 ساعات فقط، وحين اقترب اليوم راحت نقابات العمال الأميركية تستعد لتنظيم إضراب عام، دعمًا لتحديد ساعات العمل.
وهذا ما حصل فعلاً، حين شهدت العديد من المدن الأميركية إضرابا عاما ومسيرات عمالية شارك فيها آلاف العمال يوم السبت 1 مايو 1886، متخذين شعارًا واحدًا هو “8 ساعات في اليوم دون اقتطاع للأجور” واستقر ذلك في قلوب 300 و500 ألف عامل، من بينهم ما بين 30 و40 ألف عامل في شيكاغو وحدها، والبقية يجوبون شوارع المدينة في مسيرات عمالية، ولم يخل الأمر من دماء بعض العمال خلال الإضراب، تحددهم بعض الروايات بعاملين أو 6 عمال، إلا أن الرابع من مايو شهد أحداثًا أكثر دموية، بإعدام 7 من المشاركين في الإضرابات فيما عُرف بمذبحة هايماركت.
فيما بعد، وفي المؤتمر الأول للنواب الاشتراكيين الدوليين، المعقود في باريس عام 1889، أحيا النواب ذكرى المذبحة، كما وجه دعوات للتظاهر تقديرًا للضحايا في عام 1890، ليصبح الأول من مايو حدثا عماليا سنويا لأول مرة. ثم جاء عام 1904، ليدعو اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية، خاصة الاشتراكية منها، إلى عدم العمل في الأول من مايو من كل عام، مع محاولة جعله يوم عطلة رسمية في عشرات الدول.
عيد العمال.. مظاهرات تجتاح مدن فرنسا