في قلب الصحراء الصينية، شمال غربي الصين، ينهمك علماء وعمال صينيون في نقل معدات متطورة إلى مواقع تحت الأرض في سباق مع الزمن للتوسع في تشييد 145 صومعة جديدة، لكنها ليست للحبوب والغلال بل “صوامع للصواريخ النووية” من طراز “دي إف- 41″، التي يمكنها حمل رؤوس نووية إلى مسافة تصل إلى 15 ألف كيلومتر، ما يعني أن معظم الكرة الأرضية ضمنها البر الأميركي الرئيسي بات في مرمى صواريخ التنين الصيني.
وتتبع الصين، خطة استراتيجية لإدارة “صوامع الصواريخ” التي يجري بناؤها على قدم وساق بمختلف مناطق البلاد، تعرف بـ”لعبة القواقع” التي ترتكز على عنصر التمويه من خلال إخفاء الرؤوس النووية المُحددة في عدد من الصوامع، ضمن حيز مكاني يضم أخرى فارغة تماماً تجعل من الصعب على الهجمات المعادية تحديد الصوامع المُجهزة نووياً من الفارغة، على غرار قواقع البحر التي ربما تكون ممتلئة أو فارغة.
يشير التوسع المُذهل الذي تجريه الصين، لترسانتها من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، إلى أنها تُكشر عن أنيابها المرعبة من أجل تعزيز مصداقية قوة ردعها النووي وصمودها أمام أي هجوم نووي مُحتمل ضدها، في الوقت الذي تأمل خلاله في صناعة 700 رأس نووي قابل للتسليم بحلول عام 2027، وما لا يقل عن 1000 رأس حربي بحلول عام 2030، فضلاً عن بناء «مفاعلات مولدة سريعة ومنشآت إعادة المعالجة»، بهدف تعزيز القدرة على إنتاج البلوتونيوم وتحديث “الثالوث النووي الصيني” براً وجواً وبحراً، وفقا لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”.
بداية نووي التنين
ظلت الترسانة النووية الصينية لعقود، ضمن نطاق محدود للغاية وهشٍ بدرجة كانت بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، كافية لإمكانية تدميرها بضربة نووية واحدة على غرار قنبلتي هيروشيما وناجازاكي.
وكانت الصين، قد حصلت على التقنية النووية من الاتحاد السوفيتي في أوج صداقة الجانبين في الفترة بين عامي 1950-1960، حين استقطبت بكين حوالي 10 آلاف خبير روسي في المجال النووي، ضمن برنامج سوفيتي لمساعدتها في تطوير سلاحها النووي.
لكن في السنوات اللاحقة تدهورت العلاقات بين بكين وموسكو، ما دفع الدب الروسي لإغلاق برنامجه لمساعدة التنين الصيني في تطوير الأسلحة النووية. بيد أن الصين، كانت قد نجحت في توطين التقنيات النووية وسرعان ما نجحت في صُنع قنبلتها النووية الأولى بمفردها.
واختبرت أول قنبلة نووية لها في عام 1964، بتفجيرها في موقع مخصص للتجارب النووية قرب بحيرة “لوب نور” في إقليم شينجيانغ في أقصى شمال غرب البلاد، إذ بلغت قوتها الانفجارية 22 كيلوطناً، ثم أعقبت هذه التجربة البرية بتجربة نووية ثانية حيث أسقطت قنبلة ذرية من الجو.
واصلت الصين التطوير المحدود لبرنامجها النووي، ففي يونيو عام 1967 فجرت قنبلة هيدروجينية بقوة 3.3 ميغاطن، ثم ما لبثت حينذاك، أن أصبحت رابع قوة نووية في العالم بعد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا.
نقطة التحول
مع انتهاء الحرب الباردة التي تطلبت انشغال واشنطن بتفكيك الاتحاد السوفيتي، كانت بكين قد استغلت هذه التحولات في التسعينات بأن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مما منحها القدرة على التحديث العسكري الهائل؛ فباتت تملك أضلاع “الثالوث النووي” بالكامل الذي يعني مختلف أسلحة الدمار الشامل التي تُطلق من البر والبحر والجو، ويبلغ حجمها أكثر من 290 رأساً نووياً بحسب تقديرات البنتاجون الأمريكي.
وباتت الصين، تملك صواريخاً بالستية من نوع “دونغفنغ 41” تمثل جوهر قوة الردع النووية الصينية، إذ يصل مداها إلى 14 ألف كم، أي أن مجموعة منها قادرة على محو الولايات المتحدة في غضون دقائق.
كما طورت الصين، قدراتها النووية البحرية ضمن مشروع “جين” في الفترة بين عامي 1999-2010، ببناء 4 غواصات نووية استراتيجية تحمل كل واحدة منها 12 صاروخاً بالستياً من نوع JL-2 أو “الموج الكبير” يتراوح مداه بين 8 و9 آلاف كم.
[two-column]
جنباً إلى جنب تطوير ترسانتها النووية، تواصل بكين إنشاء ملاجئ نووية في جميع المدن الكبرى، في إشارة بالغة الأهمية إلى أنها لا تستبعد خطر نشوب حرب نووية.
[/two-column]
ومع تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن، خلال السنوات الماضية، دفع ذلك الدب الصيني لبدء مرحلة جديدة من تصنيع أسلحة دمار شامل أكثر تطوراً وفعالية، حيث يعمل الصينيون على تطوير غواصة استراتيجية من جيل “تايب- 093” الجديد، فضلاً عن تصنيع عائلة جديدة من الصواريخ البالستية تطلق عليها اسم “جي إل – 3” بمدى يبلغ 12 ألف كم.
أما على الصعيد الجوي، فتطور بكين قاذفة القنابل الاستراتيجية “إيان إتش 20” ضمن جيل جديد يرتكز على تقنية “الجناح الطائر” على غرار قاذفة الشبح الأمريكية B-2.
وجنباً إلى جنب تطوير ترسانتها النووية، تواصل بكين إنشاء ملاجئ نووية في جميع المدن الكبرى، في إشارة بالغة الأهمية إلى أنها لا تستبعد خطر نشوب حرب نووية.
قوة رادعة
يأتي هذا التطور النووي الصينى فائق السرعة في وقت يتصاعد خلاله الحديث الأميركي عن مواجهة النفوذ الصيني المتنامي حول العالم، حيث صدر عن وزارة الدفاع الأمريكية أمراً للعاملين فيها، بتكثيف التركيز على الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة أكبر منافسيها الاستراتيجيين.
لذا جعلت بكين هدفها الأسمى من التحديث العسكري هو الوصول إلى التكافؤ، وتحقيق مفهوم “الردع” مع واشنطن التي تملك قدرات نووية هائلة تبلغ أكثر من 5550 رأساً نووياً، وسط مخاوف واحتياطات صينية من إمكانية شن ضربة أمريكية استباقية ضد الترسانة النووية الصينية تجعلها دون دفاعات كافية.
ويسعى الصينيون للوصول إلى جعل الأمريكيين على ثقة تامة أنه من المستحيل توجيه ضربة استباقية تقضي على القدرات النووية للصين، في ظل مضاعفة المخزون الصيني من الرؤوس النووية العابرة للقارات ومنصاتها المتنقلة التي يمكن إخفاؤها بسهولة عن الأقمار الصناعية، وكذلك القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى، والغواصات النووية، بما يجعل الترسانة الصينية أكثر صموداً وقدرة على الردع.
الصين تشكو أمريكا بسبب أقمار ماسك!