أدرجت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) فن القَط العسيري إلى قائمة التراث العالمي غير المادي، وجاء قرار المنظمة في اجتماعها في جيجو بكوريا الجنوبية، خلال الفترة من 4 إلى 9 ديسمبر 2017. ومما تضمه القائمة من أنواع أخرى للتراث السعودي: تربية الصقور (2012)، والمجالس (2015)، والقهوة العربية (201)، والعرضة النجدية (2015)، والمزمار (2016).
انتصار عظيم
ويعد إدراج “القط العسيري” ضمن قائمة التراث الثقافي في اليونسكو انتصاراً لهذا الفن وإبداعاته، لينضم إلى ما سبق تسجيله من تراث مادي وغير مادي في السنوات الماضية؛ الأمر الذي سيسهم في زيادة الاهتمام به من قبل الجهات ذات العلاقة وإجراء الدراسات والأبحاث العلمية من قبل المهتمين والباحثين حول العالم.
وأصبح هذا الفن اليوم يمارَس من قِبل الفنانين والمصممين والمهندسين في كافة أنحاء العالم. وتطبيقه في العديد من المنازل يضمن استمراريته وتعلق الأجيال به. كما أنه يعزز الترابط الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع الواحد.
نشأة القط العسيري
نشأ هذا الفن في منطقة عسير على يد المرأة العسيرية، ففيما يتولى الرجل مسؤولية بناء المنزل وصيانته من الخارج، أخذت المرأة على عاتقها زخرفته من الداخل، وخصوصا غرف المعيشة، حيث أبدعت في رسم أشكال متناسقة على جدران الغرفة تتضمن ألواناً براقة وجذابة.
وتُستمد زخارف فن القط من النباتات والوحدات الهندسية المجردة. وتدعو النساء أقاربهن من مختلف الفئات العمرية لمساعدتهن في تجميل منازلهن بعد الزواج بشتى أنواع الرسوم والزخارف، وتجديدها في المناسبات والأعياد، وبذلك توارثت الأجيال هذه المعرفة. ولا يقتصر وجود الزخارف على الجدران، بل يمكن رؤيتها على الفخار أيضاً.
وقد لاقى هذا الفن رواجاً محلياً وعالمياً، إذ عُرضت جدارية لـ”القط” عام 2015 في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك، وهي تحفة فنية بطول 18 متراً، نفذتها 12 سيدة من منطقة عسير بعنوان “منزل أمهاتنا”.
جذب سياحي
من الأماكن الشهيرة بفن القط العسيري، قرية رجال ألمع، التي تعود إلى القرن العاشر، وتقع على أرض خضراء شديدة الانحدار، وفيها حوالي 60 قلعة حجرية يبلغ ارتفاعها حوالي 20 متراً.
وكانت هذه القرية المعلقة ذات يوم مركزاً تجارياً بين اليمن والحجاز، وأصبحت الآن منطقة جذب سياحي ووجهة صيفية شهيرة للسكان المحليين.
وخلال مواسم الإجازات والأعياد، يستمتع الزوار بعروض التراث التقليدية، والعروض الضوئية عن تاريخ المنطقة وأسواق الحرف اليدوية المحلية.
رائدة فن القط العسيري
وتعد الفنانة الراحلة فاطمة علي أبو قحاص، من رائدات فن القط العسيري، أو فن نقش الجدران، رغم عدم حصولها على أي شهادة تعليمية، إذ تعلمت الفن التشكيلي على يد والدتها، حين كان عمرها 8 سنوات، ثم احترفته مهنةً لها، وتمكنت من نقل إبداعاتها للكثير من الفتيات وربات المنازل.
وقد ظلت تمارس فن القط العسيري باحترافية عالية لمدة 70 عاماً، فزينت الكثير من المزارات السياحية، مثل حصن رازح، وبيت آل الزهر في الخليس، وحصن آل علوان الذي يضم متحف ألمع الدائم للتراث، وجدارية ضحمة في مدخل فندق قصر أبها الفاخر.
وفازت فاطمة أبو قحاص، بجائزة أبها لعام 1418 هـ، في الخدمة الوطنية، ونالت جوائز وشهادات تقديرية من اللجان التراثية في منطقة عسير، واختيرت كأشهر شخصية تراثية في مهرجان الجنادرية لعام 2007.
وتُسخِّر فاطمة البيئة المحيطة في النقوش والألوان والخامات، فقد صنعت من شعر ذيل الماعز ريشة للرسم، واستخدمت النباتات والطين في عمليات التلوين والزخرفة.
وتُوفيت رائدة فن القط العسيري، فاطمة علي أبو قحاص، في عام 2010 عن عمر يناهز 90 عاماً، تاركة من بعدها مئات الزخارف والإبداعات التي تتزين بها منازل عسير، وأجيالاً تسلَّموا الريادة من بعدها في تفعيل تلك الفنون وحفظها.
رائدة فن القط العسيري فاطمة أبو قحاص تضع لمساتها الأخيرة بإحدى الجداريات
التضاريس والعزلة
يمكن للزوار مشاهدة تلك الفنون بكافة منازل قرية رجال ألمع التراثية في قلب منطقة عسير الواقعة جنوب غرب المملكة العربية السعودية، حيث المناظر الطبيعية الخلابة، والجبال الخضراء التي تحيط بالقرية، وأكاليل الزهور ذات الألوان الزاهية التي يرتديها الرجال على رؤوسهم.
وحتى أواخر القرن العشرين، كانت القبائل المتمتعة بالحكم الذاتي تعيش في “قرى معلقة” في المرتفعات الوعرة التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق سلالم الحبال. وقد أدت التضاريس القاسية، والعزلة الجغرافية، وصعوبة الوصول إلى الموارد، إلى ولادة ثقافة فريدة من نوعها قائمة على الاكتفاء الذاتي.
اقرأ أيضاً:
لماذا يهتم العالم بالحفاظ على التراث السمعي البصري؟
معربة عن أسفها.. لماذا تهدد شقيقة كيم جونج أمريكا وكوريا الجنوبية؟
وسط تحذيرات من خطر المجاعة .. هل تستطيع الأمم المتحدة إنقاذ أفغانستان؟