تحل اليوم الذكرى 43 لأكبر عملية انتحار جماعي في التاريخ، والتي وقعت أحداثها في 18 نوفمبر عام 1978، وراح ضحيتها 913 شخصًا، من بينهم 300 مراهق في سن 17 عامًا أو أقل، بعدما انتحروا بالسم.
جنون العظمة
حيث شهدت بلدة جونز تاون الزراعية في جمهورية غيانا بأمريكا الجنوبية حادثة انتحار أعضاء طائفة معبد الشعوب، التي اتخذت من كاليفورنيا مقرًا لها، بناء على أمر من زعيمهم، جيم جونز، ذي الشخصية الكاريزمية والمصاب بجنون العظمة.
وتعود تفاصيل الحادث بعدما افتتح جونز كنيسته الأولى في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في بلدة إنديانا بوليس، وفي ذلك الوقت لم يكن ينتمي إلى طائفة معينة.
المحرقة النووية
وفي عام 1960، كان مجمع جونز، الذي كان يسمى آنذاك معبد الشعوب، تابعًا لكنيسة تسمى “تلاميذ المسيح” وبعد ذلك بـ4 سنوات تم ترسيم جونز في تلك الكنيسة، وبعد مرور 5 سنوات نقل هو وزوجته معبد الشعوب إلى كاليفورنيا واستقر خارج بلدة أوكيا مع حوالي 100 من أتباعه معتقدين أن هذه الخطوة تحميهم في حالة وقوع محرقة نووية، وتبعدهم عن الظواهر السلبية، كالإدمان أو الوقوع في المعاصي.
وكوّن جونز العديد من الصداقات بين السياسيين والصحفيين في كاليفورنيا وأصبح رمزًا من رموز الدين المهمة وقتذاك، حيث كان يتوافد عليه الآلاف من الأتباع وكانت نسبة كبيرة منهم من الأمريكيين من أصل إفريقي، وكان مصدر جاذبية جونز هو أحاديثه عن قراءة العقل وشفاء الروح.
احتجاز وخطف الأطفال
وفي عام 1977، انتقل مع مئات من أتباعه إلى جونز تاون، وهو مجمع كان يبنيه في غيانا، وفي نوفمبر من عام 1978، قرر عضو الكونغرس الأمريكي ليو رايان السفر إلى غيانا لتفقد أنشطة كنيسة معبد الشعوب ومجمع جونز تاون، والتحقيق في شائعات تفيد بأن بعض أعضاء الطائفة محتجزون رغمًا عنهم، وأن بعضهم يتعرض للإيذاء الجسدي والنفسي، بعد أن أعرب أفراد أسر أعضاء الطائفة في الولايات المتحدة عن قلقهم من أن أحباءهم محتجزون ضد إرادتهم، كما طالب والدا طفل يُدعى “جون فيكتور ستوين” بحضانته بعد انشقاقهما عن الطائفة، ورفض جونز تسليم الطفل زاعمًا أنه والده، وقاما برفع دعوة قضائية لاسترداد طفلهم.
وعقب وصوله إلى جورج تاون عاصمة غيانا، توجه رايان مباشرة إلى مجمع جونز تاون، وخلال زيارته أحضر عضو الكونغرس معه أقارب أعضاء بالطائفة وصحفيين لتوثيق الرحلة.
مطالبات بالعودة
فوجئ الوفد بمقاومة أولية لمنعهم من الدخول، وسُمح للمجموعة بالدخول للمجمع والقيام بجولات حيث قُدمت صورة جيدة إلى حد كبير للحياة اليومية فيه، ويتذكر تشارلز كراوس، مراسل صحيفة واشنطن بوست في تلك الرحلة: “على عكس ما أخبرنا به الأقارب المعنيون لا يبدو أن أحدا يتضور جوعًا إذ ظهر الجميع بصحة جيدة”.
كمين وإطلاق النيران
مكثت المجموعة خارج المجمع طوال الليل وعادت في اليوم التالي. وخلال فترة وجودهم هناك، اتصل بالمجموعة ما لا يقل عن 12 من الأتباع الذين طالبوا بالعودة إلى الولايات المتحدة معهم.
وبينما كان رايان يستعد للعودة إلى الولايات المتحدة، صعد العديد من أعضاء الطائفة، الذين أرادوا مغادرة المجمع، إلى شاحنة الوفد من أجل مرافقتهم إلى الولايات المتحدة مما أثار غضب جونز وطائفته، وحاولوا منع رايان ومن معه من مغادرة السيارة للمجمع، لكنه نجا دون أن يصاب بأذى واستمرت الشاحنة وعضو الكونغرس على متنها.
وبينما انتظر الوفد رحلة العودة، نصبت مجموعة من مسلحي الطائفة كمينا للوفد وفتحت النار على مهبط الطائرات الذي كان من المقرر أن يغادر منه رايان وفريقه، فقُتل 5 أشخاص، من بينهم رايان و3 من الصحفيين، وأصيب 11 آخرون.
الانتحار الثوري
وعقب إطلاق النيران وما حدث من مأساة دموية كانت بسبب اندفاعه وتهوره هو وطائفته أدرك جونز أن الرد سيأتي قريبًا وسيكون قويًا، ومن الممكن أن يكون أكثر دموية، لذا أعطى أوامره لاسلكيًا لأعضاء الطائفة خارج المجمع بما يسمى بالانتحار الثوري في المجمع، والتي كانت ضمن تدريبات الطائفة في حال حدوث أي أمور خارجة عن السيطرة.. حيث كان جونز يؤكد لهم أن ذلك الأمر هو أهم اختبار للولاء، وبالفعل تم إعداد شراب فواكه مع السيانيد والمهدئات ثم حقنه أولًا في أفواه الأطفال والرضع، ثم شربه الأعضاء البالغون، ولم يكن اختبارًا هذه المرة، جاء ذلك بعد أن حذر جونز الأتباع من أن جيش غيانا سيغزو المجمع ويأخذ الأطفال بسبب إطلاق النار في مهبط الطائرات.
ونجا أقل من 100 شخص من أعضاء الطائفة في غيانا من الحادث، وغالبية الناجين إما انشقوا في ذلك اليوم أو لم تصلهم أوامر الانتحار الجماعي، ولقي جونز نفسه مصرعه متأثرا بعيار ناري.
أسلحة ودولارات
واكتشف المسؤولون في وقت لاحق مخبأ للأسلحة النارية، ومئات من جوازات السفر مكدسة معًا، ونصف مليون دولار أمريكي، وقد تم حل كنيسة معبد الشعوب فعليا بعد الحادث ومحاكمة رجل واحد فقط من أعضاء الطائفة، وهو لاري لايتون، في الولايات المتحدة لتورطه في الحادث.
وقد أدين لايتون بالتآمر والمساعدة والتحريض على قتل رايان ومحاولة قتل المسؤول بالسفارة الأمريكية ريتشارد دواير وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وقد تم إطلاق سراحه في عام 2002.
كما أقر عضو آخر في الطائفة هو تشارلز بيكمان، بأنه مذنب في محاولة قتل فتاة وقضى عقوبة بالسجن 5 سنوات في غيانا.
اقرأ أيضًا
لماذا توجد حالة انتحار كل 40 ثانية؟