يستخدم الفلورايد واسع في مياه الشرب على نطاق حول العالم كإجراء وقائي ضد تسوس الأسنان، إلا أن أبحاثًا حديثة تُثير تساؤلات عديدة حول تأثير الفلورايد على ذكاء الأطفال والقدرات الإدراكية لديهم.
وبينما تظل فوائد الفلورايد في مجال صحة الفم غير قابلة للجدل، فإن الجدل لا يزال قائمًا حول تأثيراته المحتملة على النمو العقلي، خاصة عند الأطفال الصغار.
دراسة علمية تكشف تأثير الفلورايد
في دراسة حديثة أُجريت في بنغلاديش، قام باحثون بتتبع 500 أم وأطفالهن بهدف استكشاف العلاقة بين التعرض للفلورايد ومستويات الذكاء.
وخلصت الدراسة إلى أن ارتفاع مستويات الفلورايد قد يكون مرتبطًا بخفض معدل الأداء الإدراكي والذكاء لدى الأطفال، خصوصًا في المهارات اللفظية ومعالجة المعلومات الحسية.
وقد أظهرت نتائج الدراسة أن الأطفال الذين تعرضوا لمستويات مرتفعة من الفلورايد أثناء الحمل أو في السنوات الأولى من حياتهم قد يكونون أكثر عرضة لانخفاض الذكاء مقارنةً بغيرهم.
وعلى الرغم من أن هذه النتائج لا تُعدّ قاطعة، فإنها تعزز الحاجة إلى إعادة تقييم تأثير الفلورايد على الصحة العامة.
الفلورايد ومخاطره المحتملة على النمو الإدراكي
أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في هذه الدراسة هو العلاقة المحتملة بين مستويات الفلورايد في مياه الشرب والقدرات الإدراكية للأطفال.
وتشير الأبحاث إلى أن تأثير الفلورايد قد يمتد إلى المراحل المبكرة من النمو، ما قد يؤثر على الأداء الذهني لاحقًا في الحياة، وليس مجرد تأخر نمو دماغ الأطفال مقارنة بالأطفال الآخرين الذين لم يتعرضوا لمستويات مرتفعة من الفلورايد.
ووفقًا للباحثين، فإن تعرض النساء الحوامل لمستويات مرتفعة من الفلورايد قد يكون مرتبطًا بانخفاض معدل الذكاء لدى أطفالهن عند بلوغهم سن الخامسة والعاشرة.
وتُظهر البيانات أن الأطفال الذين سجلوا مستويات أعلى من الفلورايد في البول كانوا أكثر عرضة لانخفاض الأداء الإدراكي مقارنة بأقرانهم الذين كانت مستويات الفلورايد لديهم أقل.
الفلورايد في معجون الأسنان.. هل يشكل خطرًا؟
على الرغم من أن مياه الشرب تُعد المصدر الرئيسي للتعرض للفلورايد، إلا أن منتجات العناية بالأسنان، مثل معجون الأسنان، قد تلعب دورًا أيضًا.
ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن الفلورايد الموجود في معجون الأسنان آمن ما دام لا يتم ابتلاعه بكميات كبيرة، خاصةً لدى الأطفال الصغار.
وفي هذا الصدد يشير الدكتور ماريا كيبلر، الأستاذ في معهد كارولينسكا، إلى أن الفلورايد في معجون الأسنان ضروري للوقاية من التسوس، ولكن يجب توخي الحذر عند استخدامه من قبل الأطفال لتجنب أي آثار جانبية محتملة.
ويعني ذلك أنه لا بد من وجود حملات لتوعية الأهالي والأطفال من خطورة ابتلاع معجون الأسنان.
إعادة تقييم مستويات الفلورايد في مياه الشرب
في ظل هذه المخاوف، يدعو العلماء إلى إجراء المزيد من الدراسات لتحديد التأثير الحقيقي للفلورايد على الصحة العقلية للأطفال.
كما طالب العلماء بإعادة النظر في المستويات المسموح بها في مياه الشرب، خاصةً أن بعض البلدان، مثل كندا والولايات المتحدة، تعتمد معايير مختلفة لمستويات الفلورايد مقارنة بدول أخرى.
وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية تحدد الحد الأقصى الآمن للفلورايد في مياه الشرب عند 1.5 ملغم/لتر، فإن بعض الدراسات تشير إلى أن حتى المستويات المنخفضة يمكن أن يكون لها تأثير على النمو العقلي للأطفال.
ماذا بعد؟
نظرًا لكون هذه الدراسة قائمة على المراقبة والرصد، فإنه لا يمكن الجزم بوجود علاقة سببية مباشرة بين الفلورايد وانخفاض الذكاء، ولهذا السبب يخطط الباحثون لمتابعة دراسات إضافية تشمل مجموعات سكانية مختلفة، إلى جانب تطوير نماذج تجريبية لتحديد كيفية تأثير الفلورايد على الدماغ على المستوى الجزيئي.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة كيبلر: “يجب أن تستند سياسات الصحة العامة إلى أدلة علمية قوية. نحن بحاجة إلى المزيد من الدراسات لفهم تأثير الفلورايد على الدماغ بشكل أفضل، خاصةً فيما يتعلق بتطور ذكاء الأطفال والقدرات الإدراكية لديهم”.
وفي النهاية يبقى الفلورايد عنصرًا أساسيًا في الصحة العامة نظرًا لدوره الفعّال في خفض معدل تسوس الأسنان، ولكن تأثيره المحتمل على نمو الدماغ وإدراك الأطفال يظل مسألة تستحق البحث والتدقيق.
وبينما تتواصل الدراسات في هذا المجال، تبقى مسألة تحقيق التوازن بين الفوائد والمخاطر الصحية للفلورايد محل جدل مستمر بين العلماء وصناع القرار الصحي.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
هل يمكن للعب في التراب أن يحمي الأطفال من الأمراض؟