فن

«بنات همام» يعيد الجدل حول ريا وسكينة.. مجرمتان أم مناضلتان ضد الاحتلال؟

تعيد الدراما المصرية طرح قصة «ريا وسكينة» في رمضان 2025، لكن هذه المرة بمنظور مختلف تمامًا يثير الجدل، حيث يقدم مسلسل «بنات همام»، بطولة وفاء عامر وحورية فرغلي، رؤية جديدة تدّعي براءة الشقيقتين اللتين أُدينتا بقتل 17 امرأة في الإسكندرية قبل أكثر من قرن.

هذا الطرح غير المألوف يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول إعادة كتابة التاريخ في الأعمال الدرامية، وما إذا كان هناك أي دليل تاريخي يدعم هذه الرواية.

هل يغير «بنات همام» النظرة إلى ريا وسكينة؟

في الوقت الذي استقرت فيه الذاكرة الشعبية على أن ريا وسكينة كانتا من أشهر السفاحات في تاريخ مصر، يأتي هذا المسلسل ليطرح فكرة مناقضة تمامًا، إذ يقدمهما كمقاومتين ضد الاحتلال الإنجليزي. يدّعي مؤلف العمل أحمد عاشور أن القضية لم تكن مجرد سلسلة من جرائم القتل، بل مؤامرة سياسية لإخماد نشاط نسائي مقاوم للاستعمار. هذا الادعاء يعيد الجدل حول القضية التي شكلت واحدة من أشهر ملفات الجريمة في مصر الحديثة.

المسلسل مكون من 15 حلقة، ويشارك في بطولته محمد عبد العظيم، منذر رياحنة، والراحل أشرف مصيلحي. وهو من إخراج كريم رفعت وإنتاج حلمي شهاب وبلال صبري. وتشير التصريحات الرسمية لفريق العمل إلى أن الهدف هو إعادة تقديم القصة بشكل موضوعي بعيدًا عن الرواية التاريخية التقليدية.

ما الفرق بين «بنات همام» ومسلسل «ريا وسكينة» 2005؟

في عام 2005، قدم مسلسل «ريا وسكينة»، الذي قامت ببطولته عبلة كامل وسمية الخشاب، القصة التقليدية التي ترسخت في أذهان المصريين، استنادًا إلى كتاب «رجال ريا وسكينة» للكاتب صلاح عيسى، الذي سلط الضوء على الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت الشقيقتين إلى عالم الجريمة، لكنه لم يشكك في تورطهما في القتل.

أما «بنات همام»، فيقدم وجهة نظر مختلفة تمامًا، إذ يصور الشقيقتين كمظلومتين استُخدمت قصتهما كوسيلة لطمس حقيقة مقاومتهما للإنجليز. وتستند هذه الرواية إلى ادعاءات بأن ملف القضية لم يكن يحتوي على أدلة دامغة، وأن الصحافة آنذاك لعبت دورًا في ترسيخ الصورة الدموية لهما، خاصة الصحف التي كانت تميل إلى الاحتلال.

هل هناك أدلة تاريخية تدعم الطرح الجديد؟

يثير الطرح الدرامي الجديد جدلًا واسعًا بين المؤرخين والنقاد. أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، الدكتور محمد عفيفي، وصف هذه النظرية بأنها «محض خيال»، مؤكدًا أن التحقيقات والمحاكمات أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن ريا وسكينة كانتا مجرمتين. كما أن الصحف المصرية في ذلك الوقت نشرت تفاصيل القضية وشهادات الشهود التي تؤكد تورطهما.

لكن في المقابل، هناك من يدعم إعادة النظر في القضية، مشيرين إلى أن الاحتلال البريطاني كان يستخدم أساليب مختلفة لقمع المقاومة، ومن بينها تشويه سمعة الشخصيات الوطنية. كما أن بعض التفاصيل مثل ضعف الأدلة المادية واعتماد القضية على شهادة طفلة صغيرة، قد تترك مجالًا للشك.

ردود الفعل على الطرح الجديد

أثار الإعلان عن المسلسل تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي. البعض يرى أن إعادة سرد القصة من منظور جديد أمر مشروع في الدراما، بينما يعد آخرون أن هذا تحريف للتاريخ ومحاولة لتجميل صورة مجرمين مدانين. وأوضح النقاد أن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى دعم قوي بالمصادر التاريخية لتكون ذات مصداقية.

وفي الوقت الذي يرحب فيه الجمهور بالتجديد، تظل مسألة تقديم شخصيات تاريخية بمنظور مغاير أمرًا حساسًا، خاصة إذا كانت القصة متأصلة في الوعي الجمعي. فهل ينجح «بنات همام» في إقناع المشاهدين بروايته، أم يظل مسلسل 2005 هو المرجع الأساسي للقصة؟ هذا ما ستكشفه ردود الأفعال بعد عرض المسلسل في رمضان القادم.