سياسة أحداث جارية

والد الشرع يوجه رسالة لحكومة نجله ويثير تفاعلًا كبيرًا على منصات التواصل

فاجأ حسين الشرع، والد الرئيس السوري أحمد الشرع، الأوساط السياسية والاقتصادية، برسالة علنية للإدارة الجديدة التي يقودها نجله، محذرًا من مغبة المضي في تخصيص القطاع العام، ومشددًا على أن هذه الخطوة تهدد السيادة الوطنية، وتمثل هدرًا لثروة الشعب.

وجاءت تصريحات الشرع الأب، البالغ من العمر 81 عامًا، عبر منشورات في فيسبوك خلال الأيام الماضية، حيث استند إلى خبرته الاقتصادية الطويلة في تبرير رفضه لخطط بيع مؤسسات القطاع العام، موضحًا أن هذه الشركات والمصانع تمثل إرثًا اقتصاديًا راكمته الدولة السورية على مدار عقود، وقال إنها «ثروة قومية وملك للشعب»، محذرًا في الوقت ذاته من أن الخلل الذي أصابها لم يكن في بنيتها الأساسية، بل بسبب إدارات فاشلة أُسندت إليها مسؤولياتها. وتساءل: «أين تذهبون بالعمال؟ هل ترمونهم في الشارع»؟

أثارت هذه التصريحات تفاعلًا واسعًا على السوشيال ميديا، إذ عدّها البعض مؤشرًا على مساحة جديدة من حرية النقد داخل العائلة الحاكمة، فيما رأى آخرون أنها تعكس مخاوف قديمة من تبعات سياسات الخصخصة التي شهدتها دول عربية. وعلّق حساب «محبي الرئيس أحمد الشرع» على المنشور بالقول: «لا مجاملات حتى من الأب لابنه”، بينما كتب أحد المدونين: “ما أسعدني أن الدنيا تغيرت وأصبحت العائلة تنتقد بعضها علنًا».

لماذا انتقد حسين الشرع خصخصة القطاع العام؟

واستشهد الشرع الأب، وهو أكاديمي ناصري، بتجربة خصخصة القطاع العام في مصر، معتبرًا أنها أدت إلى فقدان المصريين ملكية مؤسساتهم لصالح «الغرباء»، مشيرًا إلى أن تكرار التجربة في سوريا يهدد السيادة الوطنية.

وربط الشرع رفضه للخصخصة بما وصفه بتأثيرات خارجية على القرار الاقتصادي السوري، متهمًا بعض الرأسماليين «الموالين للخارج» بالسعي لتملك هذه الشركات، مما قد يؤدي إلى إضعاف الدولة اقتصاديًا.

وما زاد من وقع هذه التصريحات هو صدورها من داخل البيت الحاكم، الأمر الذي عده ناشطون تحولًا في تقاليد السلطة، التي اتسمت طوال 53 عامًا من حكم آل الأسد بغياب النقد الداخلي العلني. وتناقلت وسائل إعلام محلية مقتطفات من كلام الشرع الأب، ما أكسب القضية أبعادًا أوسع.

 

من هو حسين الشرع؟

وينحدر حسين الشرع، الذي وُلد عام 1944 في بلدة الزوية، من أسرة تعود أصولها إلى منطقة الجولان، وتأثر بالفكر الناصري منذ شبابه.

غادر إلى العراق في ستينيات القرن الماضي لاستكمال تعليمه، قبل أن يعود إلى دمشق عقب استلام حافظ الأسد السلطة، حيث شغل مناصب اقتصادية مرموقة، بينها مستشار في وزارة النفط، كما عمل في السعودية كباحث اقتصادي في وزارة البترول. وعقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، غادر إلى القاهرة حيث يقيم حاليًا في مدينة 6 أكتوبر.

ما رد الفعل الحكومي؟

وبينما لم تصدر تعقيبات رسمية من الرئيس أحمد الشرع أو حكومته على تصريحات والده، قالت مصادر مقربة من الحكومة لصحيفة «الوطن» المحلية إن «إصلاح القطاع العام يمثل توجهًا مستقبليًا، دون اتخاذ قرارات نهائية بشأن الخصخصة». في المقابل، رأى مسؤولون اقتصاديون، بحسب تقرير نشره موقع «عنب بلدي»، أن الخصخصة باتت ضرورة لتقليل الإنفاق العام، لكنهم أقروا بحساسية المسألة.

وفي السياق نفسه هاجم الشرع الأب ثلاث شخصيات معارضة، واصفًا إياهم بـ«أصحاب الدكاكين عبر اليوتيوب». الأول كمال اللبواني، المعروف بعلاقاته مع إسرائيل، والذي زعم قدرته على إسقاط النظام، ليرد عليه الشرع الأب ساخرًا: «أنت صغير جدًا أمام هؤلاء الشباب». والثاني العميد المنشق أحمد رحال، الذي اتهمه الشرع بتنصيب نفسه «قيّمًا على الثورة» دون إلمام كافٍ بالقيادة الجديدة. أما الثالث، الصحفي نضال معلوف، فعدّه الشرع «نزقًا» بعد انتصار الثورة، منتقدًا تقاربه مع التيارات الإسلامية.

وعد مراقبون أن هجوم الشرع الأب على هذه الشخصيات جاء في سياق دفاعه عن الإدارة الجديدة التي يقودها نجله، رغم انتقاداته لسياساتها الاقتصادية. وعلق الباحث السياسي السوري ناصر المحمد، لموقع «المدن»، بأن الشرع أراد ضبط المشهد، خصوصًا أن بعض المعارضين يحاولون تصوير القيادة الجديدة كواجهة لجماعة الإخوان المسلمين. وأضاف أن النقد الداخلي الذي أبداه الأب لا يعني تقويض شرعية النظام الجديد، بل هو تكريس لديناميكية نقدية غير معهودة في سوريا ما بعد الأسد.