نجح العلماء في استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم مواد نانوية جديدة تمتاز بقوة تعادل الفولاذ وخفة تماثل الستايروفوم. هذه المواد، التي تم تصنيعها باستخدام التعلم الآلي والطباعة ثلاثية الأبعاد، تفوقت في متانتها على التصاميم السابقة بأكثر من الضعف، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجالات الطيران وصناعة السيارات، فما تفاصيل هذه المادة الجديدة وكيف ستؤثر في واقعنا؟
حل معضلة متانة وهشاشة المواد النانوية
في كثير من الأحيان، تكون القوة والمتانة صفتين متعارضتين في المواد الهندسية. فمثلًا، الألواح الخزفية قوية لكنها قابلة للكسر بسهولة. تواجه المواد النانوية المشكلة ذاتها، حيث يؤدي ترتيبها المعقد إلى جعلها صلبة ولكن هشة عند تعرضها للإجهادات العالية. هذه الخاصية حدّت من استخدامها في التطبيقات الصناعية. لكن الباحثين تمكنوا من تجاوز هذه العقبة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي. يقول الباحث الرئيسي بيتر سيرلز من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: “عندما فكرت في هذا التحدي، أدركت أنه يمثل مشكلة مثالية يمكن للذكاء الاصطناعي حلها.”
الذكاء الاصطناعي يغير قواعد تصميم المواد
لإيجاد تصاميم أكثر كفاءة، قام الباحثون بمحاكاة آلاف الأشكال الهندسية قبل تمريرها عبر خوارزمية تعلم آلي. تعلّم النظام من هذه التصاميم ليبتكر أشكالًا جديدة قادرة على توزيع الإجهادات بالتساوي مع تحمل أوزان ثقيلة. باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، تم تصنيع شبكات نانوية جديدة قادرة على تحمل ضغط يصل إلى 2.03 ميغاباسكال لكل متر مكعب لكل كيلوجرام من المادة، وهي قوة تفوق التيتانيوم بخمسة أضعاف.
إمكانيات هائلة للمادة الجديدة
يقول توبين فيلتر، الأستاذ بجامعة تورنتو والمشارك في الدراسة: “نأمل أن تساهم هذه المواد في تصنيع مكونات فائقة الخفة للطائرات والمركبات الفضائية، مما يقلل من استهلاك الوقود مع الحفاظ على الأداء والسلامة.” ويضيف الباحثون أنه في حال استبدال مكونات التيتانيوم في الطائرات بهذه المادة، فإن ذلك قد يوفر 80 لترًا من الوقود سنويًا لكل كيلوجرام يتم استبداله، مما يشكل تقدمًا كبيرًا في مجال كفاءة استهلاك الطاقة.
الخطوة التالية: التوسع في التصنيع
يعمل الفريق حاليًا على توسيع نطاق تصنيع هذه المواد لاستخدامها في مكونات أكبر، بالإضافة إلى تطوير أشكال هندسية أكثر كفاءة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يؤكد سيرلز: “لأول مرة، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين المواد النانوية، والنتائج فاقت توقعاتنا. لم يكرر النموذج الأشكال الناجحة فحسب، بل تعلّم كيفية تطوير تصميمات جديدة تمامًا.”
أخيرًا
يمثل هذا الإنجاز قفزة نوعية في هندسة المواد، حيث يفتح الباب أمام تطوير هياكل أقوى وأخف وزنًا بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى تحسينات ثورية في الطيران وصناعة السيارات. مع استمرار التطوير، قد نشهد مستقبلًا تكون فيه المركبات والطائرات أكثر كفاءة وأقل استهلاكًا للطاقة بفضل هذه المواد المتطورة.