تواجه أوروبا تحديًا كبيرًا في تقليل اعتمادها على الموارد الطبيعية الحيوية المستوردة من الصين، التي تسيطر بشكل شبه كامل على العديد من المعادن الأساسية المستخدمة في الصناعات المتقدمة، بما في ذلك الطاقة النظيفة والتقنية.
ويثير هذا الاعتماد مخاوف متزايدة من استغلال الصين لهذه الهيمنة في سياق التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، بينما أظهرت بيانات نشرتها «بلومبرج»، في مايو 2024، استنادًا إلى أبحاث المفوضية الأوروبية، أن الصين تزوّد أوروبا بـ100% من العناصر الأرضية النادرة الثقيلة، المستخدمة في تقنيات حيوية كالمفاعلات النووية وألياف الاتصالات البصرية.
علاوة على ذلك، تعتمد أوروبا بنسبة 97% على الصين لتوفير المغنيسيوم المستخدم في صناعات الطيران والسيارات.
وتتضمن المواد الأخرى التي تعتمد أوروبا فيها على الصين بشكل كبير:
-
الليثيوم (79%)، الذي يُعد أساسًا في بطاريات السيارات الكهربائية والإلكترونيات.
-
الجاليوم (71%)، وهو عنصر مهم في أشباه الموصلات والطاقة الشمسية.
-
السكنديوم والبزموت والفاناديوم بنسب تتراوح بين 62% و67%.
لماذا يُعد هذا الاعتماد مشكلة؟
تجعل السيطرة الصينية على هذه الموارد أوروبا عرضة لتقلبات السوق وتداعيات السياسة. وقد أثار المحللون مخاوف من إمكانية أن «تسلّح» الصين هذه الهيمنة الاقتصادية، مثلما حدث سابقًا في حالات حظر صادرات المعادن النادرة.
إلى جانب ذلك، يشكل هذا الاعتماد تحديًا أمام الاتحاد الأوروبي في تحقيق أهدافه المتعلقة بالاستدامة والانتقال إلى الطاقة النظيفة. فمثلًا، 80% من الليثيوم المستخدم في بطاريات المركبات الكهربائية يأتي من الصين، ما يجعل سلاسل التوريد الأوروبية عرضة لأي اضطراب.
كيف تحاول أوروبا تقليل هذا الاعتماد؟
للتصدي لهذه الأزمة، أقر الاتحاد الأوروبي «قانون المواد الخام الحيوية» في مايو 2024، الذي يهدف إلى تخفيف الاعتماد على موردين خارجيين، من خلال:
-
إنتاج 10% من المواد الخام الحيوية داخل الاتحاد الأوروبي.
-
رفع نسبة إعادة تدوير هذه الموارد إلى 25% من الاستهلاك السنوي.
-
خفض الاعتماد على أي دولة غير أوروبية لأقل من 65% بحلول عام 2030.
ويُعد هذا القانون جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الاستقلالية الأوروبية في مجالات التكنولوجيا والصناعة، وتقليل الاعتماد على الخارج في سلاسل التوريد.
ويتطلب تنفيذ هذه الخطط استثمارات ضخمة وبنية تحتية قوية، بالإضافة إلى تعاون وثيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد. كما أن تحقيق الاستقلالية في هذه الموارد يتطلب تطوير تقنيات جديدة لإعادة التدوير والتنقيب عن بدائل محلية أو من دول حليفة، فهل ستتمكن أوروبا من تحقيق أهدافها في ظل التحديات الراهنة، أم ستبقى رهينة للهيمنة الصينية على الموارد الحيوية؟ هذا ما ستكشفه السنوات القادمة.