سياسة

فرانكلين روزفلت.. الرئيس الذي انتخبه الأمريكيون 4 مرات

يُعد فرانكلين ديلانو روزفلت الرئيس الأمريكي الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة، الذي تم تنصيبه أربع مرات متتالية، لنجاحه في تجاوز أزمات ضخمة عصفت بالمواطن الأمريكي، بدأت بأزمة الكساد الكبير وصولًا إلى الحرب العالمية الثانية.

فمسيرة روزفلت السياسية التي تبرز اجتيازه العقبات الكبيرة من خلال إصلاحات اقتصادية جريئة وقرارات حاسمة خلال الحرب، هي ما مهد له البقاء في السلطة مدة غير مسبوقة، وأدى إلى تشكيل إرث سياسي واقتصادي لا يزال يؤثر حتى اليوم، وجعل منه رمزًا للقيادة الفعّالة والتغيير، وأعاد للأمريكيين ثقتهم في أصعب أوقات تاريخها.

 من هو فرانكلين روزفلت ولماذا يعد انتخابه أربع مرات أمرًا استثنائيًا؟

تُعد الانتخابات الرئاسية التي شهدت تنصيب فرانكلين ديلانو روزفلت أربع مرات، بداية من عام 1933 وحتى 1945، حدثًا تاريخيًا غير مسبوق في تاريخ السياسة الأمريكية.

فمنذ انتخابه لأول مرة في 1932، استطاع روزفلت أن يُحدث تحولًا جذريًا في القيادة الأمريكية في وقت كانت فيه الأمة غارقة في أزمة اقتصادية خانقة، حيث وصلت البطالة إلى معدلات غير مسبوقة، وهدد انهيار البنوك استقرار البلاد. وفي مواجهة هذه الأزمات، استطاع روزفلت أن يجلب الأمل والثقة للشعب الأمريكي من خلال خطط اقتصادية جريئة وتنفيذ إصلاحات شاملة.

لم يكن فقط الشعب الأمريكي من آمن بقدرة روزفلت على قيادة البلاد في تلك الفترة، بل كان العالم بأسره يترقب النتائج. وكان لخطاباته، التي ألقاها في مناسبات التنصيب الأربعة، دور كبير في توحيد الأمة ورفع معنويات الشعب الأمريكي. ولكن كيف تمكن من الفوز بولاية رئاسية تلو الأخرى؟ وما الذي جعل حملاته الانتخابية تحقق هذا النجاح المدوي؟

كيف استطاع روزفلت أن يحافظ على الثقة في قيادته خلال الأزمات؟

منذ بداية ولايته الأولى في 4 مارس 1933، كان روزفلت يواجه أزمة اقتصادية طاحنة، حيث وصل عدد البنوك التي تعرضت للإفلاس إلى 24 ألف بنك، مما دفع ملايين الأمريكيين إلى فقدان مدخراتهم. كما ارتفع معدل البطالة إلى 25%.

وبالرغم من هذه الظروف القاسية، فإن خطابه الأول في التنصيب كان مليئًا بالتفاؤل والإيمان في قدرة الأمة على تجاوز هذه المحن.

قدمت كلماته أولى خطواته في إعادة الثقة للشعب الأمريكي، حيث أكد فيها أن «الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه» وهو تصريح ظل صدى له في ذاكرة الأمريكيين.

أسهم ذلك في توجيه الأمة نحو خطوات فعالة لإصلاح الوضع الاقتصادي، وكان من أبرز تلك الخطوات ما تضمنته حزمة «الصفقة الجديدة» التي عبرت عن التزامه بفرض رقابة على البنوك وتوفير وظائف جديدة لملايين العاطلين.

و«الصفقة الجديدة» هي مجموعة من الإصلاحات والبرامج لمكافحة آثار أزمة الكساد الكبير. شملت إصلاحات مالية مثل ضمان الودائع البنكية، وبرامج اجتماعية مثل الضمان الاجتماعي لدعم الفئات الضعيفة، إضافة إلى قوانين لحماية حقوق العمال. كما تضمنتها مشروعات أشغال عامة كبيرة لتوفير وظائف وتحفيز الاقتصاد. كانت الصفقة الجديدة تحولًا كبيرًا في دور الحكومة الأمريكية في دعم الاقتصاد والمجتمع في أوقات الأزمات.

ما الذي جعل روزفلت يتمكن من الفوز بأربع ولايات؟

في 20 يناير 1937، تم تنصيب روزفلت لولاية ثانية وسط تحسن ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية للبلاد، غير أن الأزمات العالمية كانت على الأفق، فاستمر في تنفيذ رؤيته معتبرًا أن الولايات المتحدة يجب أن تكون على استعداد لمواجهة التحديات الدولية.

وفي عام 1941، تم تنصيبه مرة ثالثة في وقت كان فيه العالم على حافة حرب شاملة، وهو ما أكسبه دعمًا واسعًا من الشعب الأمريكي الذي كان ينظر إليه على أنه القائد الوحيد القادر على الحفاظ على أمن الولايات المتحدة وسط تصاعد التوترات الدولية.

وفي عام 1945، وبعد أن قاد الأمة الأمريكية إلى نصر تاريخي في الحرب العالمية الثانية، تم تنصيبه لولاية رابعة، ليصبح أول رئيس أمريكي في التاريخ يُنتخب لهذا العدد من المرات. هذا الإنجاز، بالرغم من اعتبارات صحية، كان دليلًا على مدى عمق الثقة التي وضعها الشعب الأمريكي في قدراته القيادية.

هل كان انتخابه أربع مرات حلقة فارغة في الديمقراطية الأمريكية؟

إن سعي روزفلت للفوز بأربع ولايات رئاسية يطرح سؤالًا حيويًا حول مدى تأثير مثل هذا الحدث على الديمقراطية الأمريكية. فبينما رأى البعض أن بقاءه في السلطة لفترة طويلة يعد نوعًا من الاستثناء الذي لا يتماشى مع المبادئ الديمقراطية التقليدية، فإن آخرين اعتبروا ذلك تأكيدًا على الضرورة الملحة لوجود قيادة ثابتة وقوية في أوقات الأزمات الكبرى.

ورغم أن هذا السجل من التنصيب المتكرر ألهم العديد من القادة السياسيين في العالم، فإنه جلب معه أيضًا تساؤلات حول كيفية تحديد فترة ولاية الرئاسة، وهو ما أدى إلى تعديل دستوري لاحق في عام 1951 يقضي بتحديد فترات الرئاسة بولايتين فقط.