علوم

الجفاف في كاليفورنيا.. مأساة التغير المناخي مستمرة

 

تشهد ولاية كاليفورنيا الأمريكية، في الأعوام الأخيرة، موجات جفاف متكررة ومتزايدة الشدة، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على الولاية، في ظل اندلاع حرائق الغابات مدمرة في لوس أنجلوس، التي تكشف بشكل صارخ تفاقم أزمة التغيرات المناخية.

ويعد الجفاف الممتد الآن جزءًا لا يتجزأ من مشهد الحياة الطبيعية في كاليفورنيا، لكنه أصبح أكثر شدة وتكرارًا في الأعوام الأخيرة بسبب التأثيرات السلبية لتغير المناخ، وهو ما يتجلى في تقليص الأراضي الزراعية القابلة للاستغلال، وزيادة مخاطر حرائق الغابات، إلى جانب انخفاض مستويات المياه التي تهدد استدامة الحياة في الولاية.

وتشير بيانات «نظام مراقبة الجفاف في الولايات المتحدة»، إلى أن الفترات الجافة في كاليفورنيا تُصنف إلى درجات متفاوتة تتراوح من «الجفاف المعتدل» إلى «الجفاف الاستثنائي»، وهو ما يعكس تدهورًا متسارعًا في الموارد الطبيعية مثل الأنهار والخزانات المائية.

ولا يقتصر هذا التدهور على الجوانب البيئية فحسب، بل يمتد ليؤثر بشكل كبير على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية أيضًا. إذ تزداد حدة الأزمة مع تأثيرها المباشر على الزراعة، حيث يتراجع الإنتاج الزراعي، وتقل موارد المياه اللازمة للري، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة. كما تساهم هذه الظروف في تفاقم التحديات الاجتماعية، من خلال زيادة معدلات البطالة في القطاعات المتأثرة وتضخم تكلفة الموارد المائية، مما يخلق عبئًا إضافيًا على سكان الولاية.

ما التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للجفاف؟

ورغم أن البيانات الحديثة تظهر تحسنًا طفيفًا في الأوضاع خلال عام 2024، تشير التقارير إلى استمرار تعرض 60% من مساحة الولاية للجفاف بدرجات متفاوتة.

وأسفرت موجات الجفاف المتكررة عن خسائر مالية فادحة، ففي عام 2021، قُدّرت تكاليف الجفاف بنحو 1.7 مليار دولار، مع فقدان أكثر من 14 ألف وظيفة، خاصة في منطقة «الوادي الأوسط»، التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الزراعة.

وليست الزراعة المتضرر الوحيد، إذ أن قطاع الطاقة النظيفة يعاني أيضًا بسبب تراجع القدرة على توليد الكهرباء من محطات الطاقة الكهرومائية، مما يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

كيف يتفاقم الوضع؟

يلعب تغير المناخ دورًا رئيسيًا في تأجيج هذه الأزمة، حيث تزداد درجات الحرارة وتقل معدلات هطول الأمطار، ما يؤدي إلى جفاف التربة ونضوب المياه السطحية والجوفية.

وكما أظهرت حرائق لوس أنجلوس الأخيرة، فإن النباتات اليابسة بفعل الجفاف أصبحت وقودًا مثاليًا لحرائق الغابات المدمرة، التي تلتهم مساحات شاسعة من الولاية بسرعة كبيرة.

كيف يُقاس الجفاف؟

تعتمد السلطات المعنية، مثل «نظام مراقبة الجفاف»، على خمس فئات لتحديد مستويات الجفاف:

الجفاف المعتدل «D1»: تظهر بدايات التأثير السلبي على الزراعة والمياه، حيث يضطر المزارعون لتوفير تغذية إضافية للماشية، كما تبدأ المسطحات المائية في الانخفاض.

الجفاف الشديد «D2»: تصبح الأراضي الزراعية غير كافية للرعي، ويتراجع منسوب الأنهار إلى مستويات خطرة، مع ارتفاع تكلفة الموارد المائية.

الجفاف القاسي «D3»: تعاني المزارع من خسائر فادحة، وتنخفض إنتاجية الألبان، بينما تتزايد حرائق الغابات بصورة ملحوظة.

الجفاف الاستثنائي«D4»: تصل الأوضاع إلى ذروتها، حيث تترك الحقول دون زراعة، وتنتشر البطالة الزراعية، وتصبح المياه موردًا نادرًا وباهظ الثمن، مما يفرض تحديات إنسانية كبيرة.

هل من حلول؟

وبينما تبقى كاليفورنيا في مواجهة تحديات مستمرة بسبب طبيعتها المناخية والتغيرات البيئية، مما يضعها أمام معضلة بين السعي للتكيف مع الأوضاع الراهنة والعمل على تقليل التأثيرات طويلة المدى للتغير المناخي، فإن الولاية بدأت في تبني تدابير مبتكرة تشمل تعزيز كفاءة استخدام المياه، وتنفيذ مشاريع لإعادة تدويرها. كما يُشجع المزارعون على زراعة محاصيل مقاومة للجفاف، واللجوء إلى تقنيات ري حديثة لتقليل الفاقد.