كشفت دراسة حديثة عن علاج جديد قد يمنح مرضى سرطان الدماغ «الأرومي الدبقي» فرصة لعيش أطول مقارنة بالعلاجات التقليدية.
ويعتمد العلاج، الذي كشفت عنه دراسة قادها فريق من مستشفى «مايو كلينيك»، على تقنية تصوير متطورة تُعرف بـ«18F-DOPA PET» وعلاج إشعاعي دقيق باستخدام الحزمة البروتونية، مما يحد من الآثار الجانبية ويحسن دقة استهداف الخلايا السرطانية.
وتُعد الأورام الأرومية الدبقية «Glioblastoma» من أخطر أنواع سرطان الدماغ وأكثرها عدوانية، حيث تتسم بسرعة انتشارها وصعوبة علاجها، ويواجه المرضى الذين يتم تشخيصهم بهذا المرض، خصوصًا ممن تجاوزوا سن الخامسة والستين، توقعات قاتمة تتراوح بين ستة وتسعة أشهر كمتوسط للبقاء على قيد الحياة، وفقًا لما ذكره الدكتور «سوجاي فورا»، أخصائي علاج الأورام بالإشعاع في مستشفى «مايو كلينيك»، الذي أشار إلى أن المرض يتزايد مع تقدم أعمار السكان.
وأظهرت الدراسة الجديدة أن المرضى الذين خضعوا لهذا العلاج سجلوا متوسط بقاء يصل إلى 13.1 شهرًا، متجاوزين التوقعات المعتادة التي تتراوح بين ستة وتسعة أشهر.
كيف يعمل العلاج الجديد؟
في العلاجات التقليدية، تُستخدم صور الرنين المغناطيسي «MRI» لتخطيط جلسات الإشعاع، بينما أدخلت هذه الدراسة تقنية تصوير إضافية تُعرف بـ «18F-DOPA PET»، وتعتمد على تتبع مادة مشعة تلتقط المناطق ذات النشاط الأيضي المرتفع في الدماغ، وهي المناطق التي غالبًا ما تكون مراكز تجمع الخلايا السرطانية.
بعد تحديد المناطق النشطة، استخدم الأطباء علاج الحزمة البروتونية بدلاً من الأشعة السينية المعتادة، ويتميز هذا النوع من الإشعاع بدقته العالية، حيث يركز الجسيمات المشحونة الثقيلة على المناطق المستهدفة، مع تقليل الأضرار التي قد تلحق بالأنسجة السليمة المحيطة.
نتائج واعدة
شارك في التجربة، التي نُشرت نتائجها في مجلة «ذا لانست أونكولوجي» العلمية في ديسمبر الماضي، 39 مريضًا تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، خضعوا للعلاج المكثف لمدة أسبوع إلى أسبوعين بعد الجراحة، وأظهرت النتائج أن 22 من هؤلاء المرضى ظلوا على قيد الحياة لمدة 12 شهرًا، وبلغ متوسط البقاء 13.1 شهرًا، مما يمثل قفزة كبيرة مقارنة بالعلاجات التقليدية.
ويشير الدكتور «فورا»، قائد الفريق الطبي، إلى أن بعض المرضى، خصوصًا من لديهم نوع أقل مقاومة للعلاج بناءً على خصائصه الجينية، تمكنوا من العيش لأكثر من عامين. ويُعد هذا تطورًا ملحوظًا في مواجهة هذا المرض الذي يُعد أحد أكثر أنواع السرطان فتكًا.
أهمية تقليص مدة العلاج
إلى جانب زيادة متوسط البقاء، تبرز ميزة أخرى لهذا العلاج تتمثل في تقليص مدة العلاج، إذ تتطلب العلاجات التقليدية زيارات طويلة الأمد تمتد لأسابيع. ويقلل هذا الاختصار من الأعباء النفسية والجسدية التي يواجهها المرضى وأسرهم، خاصة مع الحاجة إلى السفر والإقامة المؤقتة بالقرب من مراكز العلاج.
هل هناك خيارات أخرى قيد التطوير؟
وحسب الدراسة المنشورة، أعلنت «مايو كلينيك» عن خطط لتوسيع التجربة لتشمل مرضى من مختلف الأعمار. كما يهدف الباحثون إلى مقارنة فعالية هذا العلاج القصير بالعلاجات التقليدية الأطول.
وتُجرى في المملكة المتحدة تجارب على جهاز طبي يوصّل جرعات إشعاعية مباشرة إلى الدماغ بعد الجراحة. وفي سياق موازٍ، يجري تطوير تقنيات تعتمد على خلايا مناعية معدلة وراثيًا لاستهداف الأورام الأرومية الدبقية، مما يعكس تنوع الجهود المبذولة لتحسين فرص المرضى.
رغم صعوبة علاج الأورام الأرومية الدبقية وارتفاع معدل الوفاة الناتج عنها، تقدم هذه التطورات بارقة أمل للمرضى. ويظل البحث المستمر في تحسين التقنيات والعلاجات هو السبيل لمواجهة هذا المرض القاتل وتخفيف معاناة المصابين به.