علوم

ما سبب رائحة المطر الجميلة التي نشمها بعد الهطول؟

منذ الأزل، كان الإنسان مأخوذًا برائحة الأرض بعد سقوط المطر، تلك الرائحة التي تمزج بين عبق الطبيعة ونقاء الأجواء. لكن ما هو سبب رائحة المطر الذي يجذبنا إليه العطر الساحر؟ هذا السؤال ظل غامضًا حتى تمكن العلماء من كشف أسراره تدريجيًا على مدار القرن الماضي.

رحلة اكتشاف سبب رائحة المطر

في عام 1964، توصل العالمان جوي بير وريتشارد توماس إلى أن الرائحة تنتج عن مادة زيتية تُعرف بـ”البتركيور” (Petrichor)، والمشتقة من كلمتين يونانيتين: “بترا” بمعنى الصخر، و”إيكور” التي تشير إلى السائل الإلهي في الأساطير. هذه المادة الزيتية، المحبوسة في الصخور والتربة الجافة، تتحرر عند تعرضها للماء، فتنتشر في الهواء بفضل الرطوبة.

لاحقًا، في عام 2015، كشفت دراسة أجراها عالمان من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن سقوط قطرات المطر على الأرض يسبب انطلاق فقاعات صغيرة من الهواء المحبوس داخل التربة، والتي تنفجر لتطلق الرائحة في الجو، مما يخلق تلك الرائحة المميزة.

الكائنات الدقيقة سبب رائحة المطر الجميلة

لا تقتصر الرائحة على البتركيور فقط، بل تدخل مركبات أخرى في تكوينها، أبرزها مادة “الجيزمن” (Geosmin)، التي اكتشفها العالمان جيربر وليشيفلييه في عام 1965. تُنتج الجيزمن بواسطة بكتيريا “ستريبتومايسيس” الموجودة في التربة، وهي بكتيريا تلعب دورًا هامًا في إعادة تدوير المواد العضوية. أثناء فترات الجفاف، تتراكم الأبواغ التي تُطلق الجيزمن في الهواء عند سقوط أولى قطرات المطر.

تأثير الرائحة على الإنسان

تُظهر هذه الرائحة تأثيرًا نفسيًا عميقًا على البشر. تشير الدراسات إلى أن حساسية الإنسان تجاه الجيزمن ربما تكون جزءًا من تطور غريزي يُمكّنه من التعرف على المياه، مما يعزز البقاء على قيد الحياة. وفي حين أن الرائحة تُعتبر مبهجة لمعظم الناس، فإن مذاق الجيزمن قد يكون غير مرغوب فيه، خاصة في الماء أو النبيذ.

فوائد غير متوقعة لسبب رائحة المطر

تمتد فوائد “ستريبتومايسيس” والجيزمن إلى ما هو أبعد من الرائحة. فهذه البكتيريا تُستخدم على نطاق واسع في صناعة الأدوية بسبب خصائصها المضادة للالتهاب والسرطان. ومع التطورات العلمية، يمكن تحسين الظروف المحيطة بإنتاجها لتجنب الروائح المزعجة.

الجيزمين رائحة تتجاوز الإنسان

بالنسبة للإبل، تُعتبر الجيزمن وسيلة حيوية لاكتشاف مصادر المياه على بُعد أميال، مما يعكس الدور البيئي الحيوي لهذه الرائحة. في حين أن الإنسان يستمتع برائحة المطر لأسباب نفسية، تعتمد بعض الكائنات عليها للبقاء.

رائحة المطر كجزء من حياتنا

سواء كنا نسير في الحدائق بعد المطر أو نشعر بالهدوء أثناء استنشاق عبير التربة الرطبة، فإن هذه الرائحة تظل تذكيرًا بقوة الطبيعة وقدرتها على التأثير في مشاعرنا وحياتنا اليومية.