في أعقاب تعادل فريقه مانشستر سيتي أمام فينورد الهولندي (3-3) في دوري أبطال أوروبا، أثار المدرب الإسباني بيب جوارديولا جدلًا واسعًا خلال المؤتمر الصحفي الذي تلا المباراة، أمس الثلاثاء، بعد أن ظهر بوجه مصاب وتعلو رأسه الجروح، ما دفع أحد الصحفيين لسؤاله عن السبب، ليجيب «كنت أريد إيذاء نفسي».
جاء التعادل بمثابة هزيمة مريرة لمانشستر سيتي الذي خسر تقدمه بثلاثة أهداف في الدقائق الأخيرة، وزادت هذه النتيجة من تعقيد موسم الفريق الذي لم يعرف طعم الانتصار في ست مباريات متتالية، ومع تراكم الضغوط الهائلة، اعترف جوارديولا باستخدام أظافره لإلحاق الضرر بنفسه، وهو اعتراف أثار صدمة في الوسط الرياضي والجماهيري.
السلوك المؤذي للنفس
ما كشف عنه جوارديولا هو مثال على سلوك يُعرف علميًا بـ«إيذاء النفس غير الانتحاري»، وهو فعل يلجأ إليه البعض للتعبير عن ضغوط نفسية أو للبحث عن إحساس بالسيطرة وسط فوضى المشاعر.
ووفقًا للخبراء النفسيين، قد يعكس إيذاء النفس أسبابًا متعددة، مثل التعبير عن الضغوط العاطفية، فعندما يصبح الألم الداخلي غير محتمل، قد يُترجم إلى ألم جسدي كوسيلة لتخفيف العبء.
وقد يكون وسيلة أيضًا لمحاولة استعادة السيطرة، وذلك حين يشعر البعض أن الألم الجسدي وسيلة لفرض السيطرة في مواجهة عجز عاطفي، أو عقابًا للذات، حين يرتبط السلوك بمشاعر ذنب ورغبة في معاقبة النفس، أو قد يمثل نداء استغاثة خفي، ففي بعض الأحيان، يكون إيذاء النفس محاولة غير مباشرة لطلب المساعدة.
ما يواجهه جوارديولا
لا يمكن فصل حادثة جوارديولا عن السياق النفسي الضاغط الذي يعيشه، فالعمل في عالم كرة القدم الاحترافية، خاصة في أندية كبرى مثل مانشستر سيتي، يضع المدربين أمام ضغط مستمر لتحقيق نتائج إيجابية، وسط انتقادات الجمهور والإعلام.
كما أن الطبيعة المثالية لجوارديولا تُعمّق أزمته، فهو معروف بشغفه المفرط وحرصه على أدق التفاصيل، مما يجعل أي تعثر يبدو وكأنه إخفاق شخصي.
طريق التعافي
لحسن الحظ، يمكن التعامل مع هذه الحالة من خلال تدخلات نفسية فعالة، مثل:
– العلاج النفسي: مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعد على تحديد الأفكار السلبية واستبدالها بطرق أكثر إيجابية لإدارة التوتر.
– التدريب على مهارات التأقلم: تطوير آليات صحية للتعامل مع التوتر مثل ممارسة الرياضة أو تقنيات الاسترخاء.
– دعم الأصدقاء والعائلة: بناء شبكة دعم اجتماعي قوية تلعب دورًا كبيرًا في تحسين الحالة النفسية.
– التوعية والاعتراف بالمشكلة: كما فعل جوارديولا بشجاعة، فإن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو التعافي.
لكمن ما حدث مع جوارديولا ليس نهاية، بل يمكن أن يكون بداية لفهم أعمق لذاته ولمحيطه، فصراحته تلك قد تسلط الضوء على أهمية الصحة النفسية، خاصة في عالم الرياضة الذي يفرض ضغطًا نفسيًا كبيرًا، وبينما يُعالج الجرح الجسدي بسرعة، يبقى الأهم هو معالجة الجرح النفسي برعاية وعناية، لعلّها تكون دعوة للجميع للالتفات إلى الصحة النفسية باعتبارها ركيزة أساسية للحياة.