قبل أسابيع قليلة، ظهرت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في برنامج «ذا فيو» الشهير على قناة «إيه بي سي» الأمريكية، في مقابلة افترض منها أن تمثل فرصة لتقديم نفسها للمواطنين في أجواء عفوية، لكنها سرعان ما تحولت إلى عبء سياسي بعد أن سُئلت عن الخطوات التي قد تتخذها بشكل مختلف عن الرئيس الحالي جو بايدن.
أجابت هاريس قائلة «لا يخطر ببالي شيء»، لتصبح العبارة من بعدها مادةً صالحة لهجوم الجمهوريين، مما أبرز التحديات السياسية التي واجهت حملة هاريس ولم تتمكن من التغلب عليها، وتتكبد بعدها خسارة مدوية أمام دونالد ترامب.
اعترفت هاريس بالهزيمة، حين خاطبت أنصارها قائلة «لا تفقدوا الأمل»، لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، إذ بدأت أجواء من التساؤل والتدقيق حول أسباب الخسارة، مع بدء الديمقراطيين في تبادل الاتهامات وطرح تساؤلات حول مستقبل الحزب.
تأثير الرئيس بايدن
بعد انسحاب بايدن من السباق إثر أداء مخيب في المناظرة الأخيرة، تصدرت هاريس قائمة المرشحين الديمقراطيين دون الحاجة لخوض تصفيات أولية أو مواجهة منافسين داخل الحزب، ثم أعلنت عن حملتها تحت شعار «جيل جديد من القيادة»، مركزة على قضايا مثل حقوق الإجهاض وتحقيق مكاسب للطبقة العاملة عبر ملفات مثل ارتفاع تكاليف المعيشة والإسكان.
وشهدت حملتها بداية قوية، مدعومة بتبرعات قياسية ودعم من نجوم مثل تايلور سويفت، ومع ذلك، لم تستطع هاريس تجاوز مشاعر السخط على بايدن التي اكتنفت العديد من الأمريكيين.
طوال فترة رئاسة بايدن، ظلت نسبة تأييده تراوح عند حدود الأربعين بالمئة، مع اعتقاد حوالي ثلثي الناخبين بأن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الخاطئ، فيما أبدى بعض المقربين من هاريس تحفظات على مدى التزامها ببايدن في حملتها، حيث رأوا أن ارتباطها القوي به حدَّ من قدرتها على تقديم صورة جديدة ومستقلة.
مع ذلك، عدّ جمال سيمونز، المدير السابق للاتصالات لدى هاريس، أن الأمر كان «فخًا»، مشيرًا إلى أن أي محاولة للابتعاد عن بايدن كان يمكن أن توفر للجمهوريين فرصة جديدة لاتهامها بعدم الولاء.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
من جهة أخرى لم تستطع هاريس أن تقدم حجة مقنعة عن كيفية تعاملها مع التحديات الاقتصادية التي تواجه الأمريكيين، مثل ارتفاع الأسعار والهجرة، ووفقًا لاستطلاع «إيه بي فويتكاست» الذي شمل أكثر من 120 ألف ناخب، قال حوالي 30% منهم إن وضعهم المالي الشخصي تدهور مقارنةً بما كان عليه قبل أربع سنوات، بالإضافة إلى ذلك، أعرب 90% من الناخبين عن قلقهم من ارتفاع أسعار السلع.
وعلى الرغم من محاولات هاريس للتركيز على أن إدارتها لن تكون مجرد استمرار لسياسات بايدن، فإن رسالتها عن كيفية معالجة هذه القضايا ظلت غير واضحة، ما جعلها تبدو كأنها تتفادى المواجهة مع المشكلات الأكثر إلحاحًا.
تراجع القاعدة الانتخابية الأساسية
كانت حملة هاريس تأمل في استعادة القاعدة الانتخابية التي ساعدت بايدن على الفوز في 2020، وتشمل الناخبين السود، واللاتينيين، والشباب، إضافة إلى محاولة تحقيق مكاسب بين الناخبين المتعلمين في المناطق الحضرية، لكن النتائج كشفت عن ضعف الأداء بين هذه الفئات الأساسية، حيث خسرت هاريس 13 نقطة بين الناخبين اللاتينيين، ونقطتين بين السود، وست نقاط بين الناخبين دون سن الثلاثين، وفقًا لاستطلاعات الخروج.
وصرح السيناتور المستقل بيرني ساندرز، الذي لطالما طالب الديمقراطيين بتبني قضايا العمال، قائلًا، إنه «ليس من المستغرب أن الطبقة العاملة باتت تهجر الحزب. بينما تواصل قيادة الحزب الدفاع عن الوضع الراهن، يبدي الشعب الأمريكي غضبه ويتطلع إلى التغيير».
وعلى الرغم من دعم النساء لهاريس بشكل عام، فإن نسبة تأييدها بين الناخبات البيضاوات لم تتجاوز النسبة المتوقعة، إذ حصلت على 54% من أصوات النساء مقارنةً بـ57% حصل عليها بايدن في 2020.
التركيز على ترامب
منذ بداية حملتها، سعت هاريس إلى جعل السباق الانتخابي أشبه باستفتاء على ترامب، وبصفتها مدعية عامة سابقة، حاولت هاريس استثمار خلفيتها القانونية في انتقاد ترامب بصفته «خطرًا» على الديمقراطية. غير أن حملتها اختارت نهجًا آخر بالتركيز على رسائل إيجابية تتعلق بالحريات الشخصية وتعزيز الطبقة المتوسطة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، قامت هاريس بتحول تكتيكي، حيث عادت لمهاجمة ترامب واصفةً إياه بالفاشي، وشاركت في فعاليات مع جمهوريين سابقين غير راضين عن سياساته، لكن بحسب فرانك لانتز، خبير الاستطلاعات الجمهوري، كان هذا التغيير في الاستراتيجية غير مثمر، قائلًا «فشلت حملة هاريس عندما ركزت بشكل حصري على مهاجمة ترامب. فالناخبون كانوا بالفعل على دراية تامة بترامب، وكانوا بحاجة لمعرفة المزيد عن خطط هاريس لقيادة البلاد».
وفي نهاية المطاف، لم تنجح هاريس في تشكيل ائتلاف انتخابي يضمن لها الفوز، ما كشف عن تحديات عميقة تواجه الحزب الديمقراطي وارتباطه برئيس غير محبوب.