يقف جبل فوجي في اليابان، لأول مرة منذ بدء السجلات قبل 130 عامًا، من دون ثلوج، متجاوزًا الموعد المتوقع لبداية تساقطها الذي يوافق عادةً مطلع أكتوبر، هذه الظاهرة، التي تتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة على مدار الصيف والخريف، تشير إلى تأثيرات مناخية بدأت تترك بصمتها الواضحة على هذا المعلم الياباني الشهير.
وفقًا لمكتب الأرصاد المحلي في مدينة كوفو اليابانية، تتساقط الثلوج عادةً على جبل فوجي الذي يبلغ ارتفاعه 3776 مترًا في أوائل أكتوبر، وتتراكم بشكل ملحوظ في الخامس من الشهر، لكن حتى يوم الاثنين الماضي، بقي الجبل خاليًا من أي غطاء ثلجي، وهو ما لم يحدث سابقًا في تاريخ اليابان.
ارتفاع درجات الحرارة السبب
يُعزى هذا التأخير الكبير إلى ارتفاع درجات الحرارة على نحو غير معتاد في اليابان خلال الصيف، إذ سجل متوسط درجات الحرارة زيادة وصلت إلى 1.76 درجة مئوية فوق المعدل الطبيعي، محطمًا الرقم القياسي السابق الذي بلغ 1.08 درجة مئوية في عام 2010.
ويقول يوتاكا كاتسوتا، خبير الأرصاد في مكتب كوفو، إن “درجات الحرارة المرتفعة استمرت خلال سبتمبر، مما منع الهواء البارد من التأثير على المنطقة”، مشيرًا إلى أن هذه الظروف أسهمت في تأخر تساقط الثلوج على قمة الجبل.
في الأسبوع الأول من أكتوبر، سجلت 74 مدينة يابانية درجات حرارة تجاوزت 30 درجة مئوية، وهو ما جعل الظروف غير مناسبة لتكون الثلوج على قمة الجبل، وفي اليوم الوحيد الذي أتيحت فيه الفرصة لرؤية الجبل بوضوح، بتاريخ 28 أكتوبر، وجد المراقبون أن القمة ما تزال خالية من الثلوج، مما أثار دهشتهم وأسفهم.
تغير المناخ
لا يعد الخبراء هذا الحدث فرديًا، بل يرون فيه صدى واضحًا للتغيرات المناخية العالمية، وأشارت أبحاث صادرة عن مركز الأبحاث المناخي «Climate Center» إلى أن موجات الحر التي شهدتها اليابان هذا العام ازدادت ثلاثة أضعاف بسبب تأثيرات تغير المناخ. كما أظهرت دراسة حديثة أجرتها كلية دارتموث الإنجليزية، أن أحزمة الثلوج حول العالم بدأت تتقلص على نحو ملحوظ، حيث تفقد بعضها ما بين 10 إلى 20 بالمئة من حجمها كل عقد.
وفي هذا السياق، أوضح مامورو ماتسوموتو، أحد خبراء الأرصاد الجوية في مكتب كوفو، أن “الاحتباس الحراري ربما يكون سببًا أساسيًا، رغم عدم التيقن من السبب المحدد”، مما يعكس القلق المتزايد بين العلماء حول تأثيرات ارتفاع درجة الحرارة العالمية على النظم البيئية الجبلية.
ظاهرة «النينيو»
إلى جانب تأثيرات التغير المناخي، أسهمت أيضًا ظاهرة تدعى «النينيو»، وهي دورة مناخية طبيعية تسهم في زيادة درجات الحرارة والرطوبة عالميًا، في هذا التأخير.
ويحدث «النينيو» عندما تضعف الرياح التجارية، مما يسمح للمياه الدافئة بالتحرك نحو الساحل الغربي للأمريكتين، وهذا ما يفسر الظاهرة المناخية الدافئة التي عاشتها اليابان مؤخرًا، حيث شهد العالم بأسره ارتفاعًا في درجات الحرارة، مما جعل العام 2024 في طريقه ليصبح الأشد حرًا في التاريخ المسجل.
تهديد الرمز
يُعرف جبل فوجي برمزيته وجماله الذي يجذب مئات الآلاف من السياح سنويًا، وخلال أشهر الشتاء، يمتد المشهد الثلجي للجبل ليكون مرئيًا حتى من العاصمة طوكيو، التي تبعد عنه نحو 100 كيلومتر، ومع ذلك، قد يجد زوار هذا الموسم أن القمة الشهيرة مغايرة لما يتوقعون.
ويطرح غياب الثلوج على فوجي تحديات جديدة، ليس فقط لجماله البصري، بل أيضًا لاستقرار النظام البيئي في اليابان، ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، يصبح مستقبل الجبل الأشهر في الدولة الأسيوية غامضًا، وسط مخاوف من أن يتراجع موسم الثلوج إلى ما هو أبعد من نوفمبر، وربما يعيد تشكيل هذا الرمز الوطني الياباني كما لم يحدث من قبل.