يترقب العالم أجمع نتائج الانتخابات الأمريكية والتي من شأنها أن تنعكس على الصراعات العالمية وخصوصا في غزة وأوكرانيا.
كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وصف في زيارة إلى أوكرانيا في فبراير الماضي، الولايات المتحدة بأنها “منارة العالم”.
وبحسب هذا الزعم، فتحديد أي من المرشحين هو الفائز في الانتخابات، سيحدد تأثر العديد من القضايا ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في العام ككل.
وتتزايد التكهنات حول الفائز بمنصب الرئيس، فهل ستكون هاريس والتي من المرجح أن تسير على قناعات بايدن بأن “أميركا لا تستطيع التراجع في هذه الأوقات المضطربة”.
أم سيفوز ترامب والذي يسعى لأن تكون قيادته للبلاد نابعة من النزعة الأمريكية وليس العولمة.
وتتزايد التساؤلات حول تأثير القوة الأمريكية، في ظل سعي العديد من الدول لإنشاء تحالفات موازية للغرب، واندلاع حروب مدمرة في غزة وأوكرانيا.
ولكن رغم ذلك فتأثير الولايات المتحدة في الأحداث العالمية لا يمكن إنكاره، باعتبارها قوة اقتصادية وعسكرية، ولذلك أمعن محللون النظر في العواقب العالمية لتلك الانتخابات بالغة الأهمية.
قوة الولايات المتحدة العسكرية
بحسب نائبة الأمين العام السابقة لحلف شمال الأطلسي، روز جوتمولر، فإنه لا يمكن إغفال تهديدات ترامب بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي، والذي زاد من القلق في أوروبا.
وتنفق الولايات المتحدة على التسليح الدفاعي ما يعادل ثلثي الميزانيات العسكرية للدول أعضاء الناتو وهم 31 دولة.
وفيما يخص التسليح الخاص، فتنفق الولايات المتحدة على جيشها ما يعادل إنفاق الـ10 دول التالية لها مجتمعة، ومن بينهم روسيا والصين.
ويشعر ترامب بفخر بأنه يجبر الدول الأخرى الأعضاء في الحلف على تلبية أهداف الإنفاق الدفاعي وهو 2% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وحتى الآن لم تتمكن سوى 23 دولة فقط من الوصول إلى هذا الهدف في 2024.
وينظر البعض لتصريحات ترامب في هذا الشأن على أنها مزعجة.
وبحسب جوتمولر، فإن فوز هاريس يضمن استقرار الناتو وضمان استمرار العمل معه لتحقيق النصر في أوكرانيا، ولكنها في نفس الوقت لن تصرف النظر عن الضغط على أوروبا.
ولكن مجلسي الشيوخ والنواب – اللذين قد يصبحان قريبا ذات أغلبية جمهورية – مثل الشوكة في حلق إدارة هاريس إذا فازت بالانتخابات، إذ ستضطر إلى مشاركتهم الحكم، في الوقت الذي لن تحبذ الجهتان التشريعيتان الانخراط في حروب خارجية.
ولكن بشكل عام يرى مراقبون أنه بغض النظر عن هوية الرئيس الفائز، فإن الرغبة في إنهاء حرب أوكرانيا ستُجبر المشرعين على عدم السماح بتمرير المزيد من المساعدات لكييف.
وتقول جوتمولر إنه تحت أي ظرف لن تسمح دول أوروبا إلى حلف شمال الأطلسي بالانهيار، ويمكن بدلًا من ذلك أن تتجه لقيادته.
إحلال السلام
سيكون على الرئيس الأمريكي القادم أن يواجه تحديات فيما يتعلق بالصراعات الكبرى حول العالم، والتي تتضمن مخاطر الزج بمناطق بأكملها في حروب شاملة.
وعلى الرغم من تراجع القدرة الأمريكية على حل النزاعات العالمية، إلا أنها لا تزال الدولة الأكثر فاعلية في مسائل الأمن والسلم، رئيسة مجموعة الأزمات الدولية ومديرتها التنفيذية، لي كومفورت إيرو.
وتقول إيرو أن الصراعات العالمي أصبحت أكثر شراسة في ظل جذبها لقوى مختلفة، وتضع المصالح في المقدمة والتي أصبحت تفضل الحرب على السلام.
ولكن مصداقية الولايات المتحدة بدأت في التراجع، خصوصًا في ظل تبينها لمعايير مزدوجة في الحكم على تصرفات روسيا في أوكرانيا وإسرائيل في غزة.
من ناحية أخرى، يمثل الصراع في السودان أزمة حقيقية، ولكنه يتم التعامل معها على أنها قضية من الدرجة الثانية.
ويُنبئ فوز هاريس باستمرار للسياسات الأمريكية الحالية، بينما سيؤدي فوز ترامب لمنح إسرائيل المزيد من الحرية في غزة، وربما يسعى لإنهاء حرب في أوكرانيا.
وأكدت هاريس مرارًا دعم الولايات المتحدة المستمر للاحتلال، ولكنها في نفس الوقت انتقدت قتل الفلسطينيين الأبرياء وطالبت بالتوقف عن ذلك.
من جانبه قال ترامب في وقت سابق إن الأوضاع تستلزم التوقف عن قتل المدنيين، ولكنه في نفس الوقت نصح نتنياهو بالقيام بما يراه مناسبًا.
ويصف ترامب نفسه بـ “صانع السلام” وقال في لقاء تلفزيوني مع قناة “العربية” إنه سيعمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط.
وفيما يخص أوكرانيا، يحتفظ ترمب بعلاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأشاد به أكثر من مرة من قبل.
وقال ترامب إنه سيسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا، فيما يعارض الدعم الذي تمنحه بلاده لكييف.
وعلى الجانب الآخر، تدعم هاريس بشدة مساندة الولايات المتحدة لأوكرانيا، ووعدت باستمرار هذا الدعم حال فوزها لضمان انتصار أوكرانيا في الحرب.
ولكن إيرو تقول إن هوية الرئيس الأمريكي المقبل قد لا تكون مهمة، في ظل اتجاه الصراعات العالمية نحو الأسوأ.
العلاقات الاقتصادية مع بكين
تشهد العلاقات الصينية – الأمريكية تدهورًا خلال الشهور الأخيرة، وخصوصًا التجارية منها، والتي كانت أبرز حلقة فيها هو إعلان ترامب نيته لفرض رسوم قدرها 60% على جميع السلع الصينية المستوردة.
وتصف الباحثة الرائدة في الشؤون الصينية، رانا ميتر، تلك المقترحات بأنها “أكبر صدمة للاقتصاد العالمي منذ عقود”.
وتأتي تلك التهديدات ضمن أخرى طالت بعض الشركاء التجاريين غير الصين، ومن بينهم دول أوروبية في إطار سياسة ترامب تحت شعار “أمريكا أولًا”.
ولكن ترامب دائمًا ما يشيد بعلاقته بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو ما سيجعله غير مضطر لاستخدام القوة العسكرية إذا اتجهت بكين لحصار تايوان، وفق قوله.
ويرى كلا من الجمهوريين والديمقراطيين أن الصين تسعى لتكون القوة الأكثر هيمنة، محاولة في ذلك إبعاد الولايات المتحدة عن عرشها.
ولا يوجد مرشح مفضل بين ترامب وهاريس بالنسبة لزعماء الصين، ولو أن بعض رجال الإدارة الصينية ينظرون لهاريس باعتبارها أفضل من الخصم الذي نعرفه.
ولكن في نفس الوقت توجد قلة ترى في ترامب رجل ذو خبرة اقتصادية، بما يجعله قادرًا على عقد صفقات مع الصين، حتى ولو لم يكن أمرًا غير وارد بنسبة كبيرة.
قضايا المناخ
تبرز أزمة المناخ كأحد القضايا الملحة والتي ستتأثر بهوية الرئيس الأمريكي المحتمل، بحسب رئيسة مجموعة الحكماء، وهي مجموعة من زعماء العالم أسسها نيلسون مانديلا، والرئيس الأيرلندي السابق والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ماري روبنسون.
ويأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه الولايات المتحدة إعصارين مدمرين في فترة قصيرة وهما إعصارا هيلين وميلتون.
وخلال الشهر الماضي، سخر ترامب من تعامل الإدارة الحالية مع تداعيات تلك الأعاصير، ووصف السياسات البيئية والطوارئ المناخية بأنها “عملية احتيال عظيمة”.
ومن المتوقع أن ينسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 كما فعل في ولايته الأولى، حال فوزه.
ولكن ترامب لن يكون قادرًا على وقف التحول في مجال الطاقة الذي اكتسب زخمًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، إلى جانب مليارات الدولارات من الاستثمارات الخضراء.
بدورها، حثت هاريس على ضرورة الاستمرار في هذا الزخم والبناء على ما تم اكتسابه خلال السنوات الأخيرة وتسريع وتيرة العمل.
المصدر: BBC