تنتظر فيتنام الانتخابات الأمريكية المقبلة بترقب ولكن دون قلق، فرغم أهمية النتيجة المحتملة، فإن هانوي غير قلقة بشأن هوية الفائز، سواء كانت نائب الرئيس كامالا هاريس أو الرئيس السابق دونالد ترامب.
ويرجع هذا الهدوء بحسب مراقبين إلى سياسة خارجية فيتنامية تُعرف بـ”دبلوماسية الخيزران” التي تعتمد على علاقات متنوعة تتجاوز الانحياز لطرف دون آخر، وتتجنب المواقف المتصلبة حيال القوى الكبرى.
يقول كوستاس سينولاكيس، خبير السياسة الفيتنامية في جامعة تافتس، إنّ هذا النهج “يجعل من السهل على فيتنام التحرك بين العواصف السياسية”، ففي حين أن فوز هاريس يعني استمرار سياسة “الانخراط العميق” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي أطلقها الرئيس بايدن، يتوقع أن يعيد ترامب، في حال انتخابه، تبني سياسة “أمريكا أولًا” بتركيز نفعي.
سياسة التعلم من أخطاء الماضي
على خلاف دول أخرى قد تحتاج إلى تعديلات سريعة في سياساتها الخارجية مع نتائج الانتخابات، فإن فيتنام تستند إلى سياسة متوازنة تقوم على الحفاظ على علاقات مستقرة مع القوى الدولية، مما يعفيها من تبني موقف محدد تجاه الولايات المتحدة، ويجنبها مخاطر التبعية أو التقلبات السياسية.
نشأت هذه السياسة المرنة كردّ فعل لأزمة اعتماد فيتنام الكلي على الاتحاد السوفيتي بعد عام 1978.
كان الاعتماد على موسكو مكلفًا، إذ واجهت هانوي ضغوطًا شديدة عندما تحوّلت السياسة السوفيتية في عهد ميخائيل جورباتشوف باتجاه تعزيز العلاقات مع الصين على حساب تحالفها مع فيتنام.
ونتيجة لذلك، تكبّدت فيتنام خسائر استراتيجية كانسحاب الدعم العسكري والاقتصادي، مما دفعها للانسحاب من كمبوديا وتطبيع العلاقات مع الصين عام 1991 على الشروط الصينية. هذا الوضع علّم فيتنام ضرورة اعتماد سياسة خارجية محايدة لا تستند إلى حليف واحد فقط.
ومع احتدام المنافسة الأمريكية-الصينية، يبرز مدى أهمية حفاظ فيتنام على استقرار علاقتها مع الصين كدولة جوار، ما يمكّنها من التوازن في علاقاتها مع القوى الكبرى.
ومؤخرًا، عززت فيتنام علاقاتها مع الصين عبر استضافة اجتماع عسكري مع نائب رئيس اللجنة العسكرية الصينية، مما أرسل رسالة استقرار تؤكد أن هانوي لن تنخرط في سياسة معادية لبكين.
ومع ذلك، يمكن أن تؤثر تطورات محتملة على هذه العلاقات؛ فإذا شددت واشنطن من سياساتها تجاه الصين، قد تجد فيتنام نفسها مضطرة لضبط شراكتها مع الولايات المتحدة لتجنب إثارة غضب الصين.
إن جاءت الريح..
أثبتت فيتنام براعتها في إدارة علاقاتها مع واشنطن حتى خلال التحولات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة. فعند فوز ترامب في انتخابات 2016، على الرغم من أن هانوي كانت تتوقع نجاح هيلاري كلينتون، تحركت سريعًا لتبني سياسة تواصل مع إدارة ترامب.
زار رئيس الوزراء الفيتنامي واشنطن في 2017 لمناقشة قضايا التجارة والدفاع، وفتحت الولايات المتحدة بوابة للتعاون بإهداء سفينة لخفر السواحل الفيتنامي.
المرونة الفيتنامية هذه تجعلها متأهبة للتعامل مع أي إدارة أمريكية، بغض النظر عن حزبها أو أيديولوجيتها، ويعزز ذلك قبول الطرفين – ترامب وبايدن – لأهمية فيتنام كشريك استراتيجي في المحيط الهادئ.
فبالرغم من الانقسام الحزبي المتزايد في الولايات المتحدة، هناك توافق على أهمية دور فيتنام كحليف في آسيا، وقدرتها على التوازن مع الصين.
في نهاية المطاف، تتبع فيتنام سياسة مدروسة ترتكز على الحفاظ على “جذور قوية، وساق ثابتة، وفروع مرنة”، حسب مراقبين، وهو ما يسمح لها بمواجهة تغيرات السياسة الدولية دون الحاجة إلى إجراء تحولات جوهرية في سياستها الخارجية، لتبقى كما تصف نفسها “صديقًا للجميع، وعدوًا لأحد”.