علوم

هل سيظل «إيفرست» القمة الأعلى في العالم؟

متسابقون يحاولون تسلق قمة جبل إيفرست

يعد جبل إيفرست، الذي يرتفع 8,848 مترًا فوق مستوى سطح البحر، القمة الأعلى في العالم، لكن إلى أي مدى يمكنه الاحتفاظ بهذا اللقب؟

للإجابة عن هذا السؤال، يجب في البداية التعرف على الكيفية التي تتشكل بها الجبال، وكذلك ظروف نشوء جبل إيفرست وجبال الهيمالايا الأخرى.

كيف تتكون الجبال؟

تتشكل الجبال العظيمة عندما تتصادم الصفائح التكتونية، وهي أجزاء ضخمة من الغلاف الصخري للأرض، مما يؤدي إلى دفع قشرتها إلى الأعلى، وحسب روب باتلر، عالم الجيولوجيا من جامعة أبردين في اسكتلندا، فإن ارتفاعات الجبال الناتجة عن هذه التصادمات تعتمد على عدة عوامل، منها سمك القشرة الأرضية ودرجة حرارتها، التي تتحدد بناءً على شدة ومدة التصادم التكتوني.

يصف باتلر القشرة الأرضية بأنها ليست صلبة بالكامل، بل تتصرف مثل سائل لزج، فكلما كانت القشرة باردة، زادت لزوجتها، مما يعني أنها أكثر صلابة، لذا، يمكن أن تؤدي القشرة الأكثر سمكًا وبرودة إلى تشكيل جبال أعلى مقارنة بالقشرة الرقيقة والساخنة.

ومع ذلك، يعد التآكل من العوامل الأكثر تأثيرًا في تحديد ارتفاع الجبال ونموها. فبحسب باتلر، فإن فعالية التآكل تجعل جبال الهيمالايا واحدة من أسرع الأنظمة الجبلية ارتفاعًا على كوكب الأرض، فكلما نقلت المواد بعيدًا عن الجبل، سواء عن طريق الأنهار أو الأنهار الجليدية أو الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية، ارتفعت الجبال التي تجاوره.

سباق الهيمالايا

تشير دراسة أجريت في جامعة لندن عام 2024 إلى أن تآكل شبكة من الأنهار على بعد أكثر من 72 كيلومترًا من إيفرست ساعد في زيادة ارتفاع القمة بين 15 و50 مترًا على مدار 89,000 سنة.

ومع أن التآكل يسهم في ارتفاع الجبال، فإنه يمكن أيضًا أن يؤدي إلى انخفاضها. وبحسب ماثيو فوكس، مؤلف الدراسة وعالم الجيولوجيا في كلية جامعة لندن، يعتمد النمو أو الانخفاض على توازن بين معدلات التآكل ومعدلات الارتفاع، فإذا كانت معدلات الارتفاع أكبر، سينمو الجبل، أما إذا كانت معدلات التآكل أعلى، سينخفض.

بعض العلماء يقترحون أن جبل نانجا برات، الذي يُعد من جيران إيفرست في الهيمالايا ويحتل المرتبة التاسعة من حيث الارتفاع، قد ينمو بسرعة كافية ليعبر إيفرست في الارتفاع.

ومع ذلك، يشك باتلر وفوكس في هذا الرأي، فرغم أن نانجا برات ينمو أسرع، فإنه يتآكل بسرعة أكبر بسبب تأثير الأمطار الموسمية الشديدة في تلك المنطقة، مما يترك إيفرست عند ارتفاع ثابت يزيد عن 610 أمتار.

وفي الوقت نفسه لا يتجاهل باتلر إمكانية أن تحتل قمة أخرى في الهيمالايا المرتبة الأولى في المستقبل، فقد تتغير العوامل المناخية مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى تغييرات في معدلات نمو القمم. ويقول باتلر: “ستستمر التصادمات التكتونية في الهيمالايا لمدة 10 ملايين سنة أخرى، مما يعني أن هناك متسعًا من الوقت لتغيير هذه العوامل”.

لكن، يعتقد عالم الجيولوجيا أنه من غير المحتمل أن يظهر جبل أعلى بكثير من إيفرست. فقد تشكلت جبال الهيمالايا نتيجة تصادم قوي وطويل الأمد، مع قشرة باردة ومعدلات تآكل مرتفعة. كما أن وجود جبال محيطة قد حد من الفضاء المتاح للقشرة للهروب أثناء التصادم، مما أدى إلى دفعها إلى الأعلى.

يؤكد باتلر أن توافر جميع هذه العوامل معًا نادر للغاية، وقد لا يحدث مرة أخرى. كذلك، الجاذبية على الأرض تمنع وجود جبال تفوق ارتفاع إيفرست بكثير.

يقول باتلر: “إذا كنا نتحدث عن عدة أمتار أو حتى مئات الأمتار، هناك احتمال أن يتفوق جبل آخر على إيفرست. ولكن فيما يتعلق بإيجاد قمم بطول 10 كيلومترات، أعتقد أنه من غير المرجح”.

لذا يبدو سؤال من سيحمل لقب «أعلى قمة في العالم» ليس مجرد سؤال جيولوجي بحت، بل سؤال يثير فضولنا حول طبيعة عالمنا المتغير، فبينما تستمر القوى الطبيعية في تشكيل تضاريس كوكبنا، فإننا نواصل البحث عن فهم أعمق لهذه العمليات، وربما نشهد في المستقبل تغييرات طفيفة في ترتيب أعلى القمم، ولكن ستبقى لإيفرست قيمته التاريخية رغم ذلك.