منذ أن شن الاحتلال أولى هجماته على قطاع غزة قبل عام من الآن، أبدت الولايات المتحدة دعمها الكامل للكيان المحتل في الدفاع عن نفسه ضد هجمات حماس.
وأجرى جو بايدن زيارة إلى الأراضي المحتلة، ليكون الرئيس الأمريكي الأول الذي يزور دولة الاحتلال المزعومة في وقت الحرب.
والشهر الماضي، وقف بايدن داخل أروقة الأمم المتحدة في نيويورك وألقى خطابا حث فيه زعماء العالم على ضرورة بذل المزيد من الجهد لمنع الصراع بين حزب الله والاحتلال من التصاعد.
ولكن حديث بايدن لم يكن رادعًا لنتنياهو، الذي أمر بعد نحو ساعة ونصف فقط من حديث بايدن بشن غارة على جنوب لبنان أسفرت عن مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
الضربة الإسرائيلية التي اغتالت زعيم الجماعة اللبنانية كانت برعاية الولايات المتحدة التي زودت الاحتلال بقنابل خارقة للتحصينات تم استخدامها في العملية.
وجاءت تلك الهجمة لتكتب فصلًا جديدًا في الصراع بين حزب الله وإسرائيل، إذ تصاعدت على أثرها حدة المواجهات بين الطرفين التي بدأت بالفعل في 8 أكتوبر 2023.
إرادة عاجزة
بعد هذه الفترة الطويلة الذي شهدت تطورات في الصراع بين الاحتلال وحماس، وفتح جبهات جديدة مع حزب الله وإيران، أثبتت فشل الدبلوماسية الأمريكية في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط.
وسعت أمريكا على مدار العام الماضي لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.
ولكن بدلًا من ذلك، أصبحت الأوضاع في القطاع كارثية، ولقى العديد من الرهائن حتفهم جراء الضربات الإسرائيلية، فيما ارتفع عدد القتلى من الفلسطينيين إلى 42 ألف شخص، بخلاف تردي الأوضاع الإنسانية في غزة.
ولم تخفق الدبلوماسية الأمريكية فقط في وقف إطلاق النار، بل إنها لم تتمكن من تحجيم توسيع الصراع، ودخل الاحتلال في مواجهات مباشرة مع إيران التي أطلقت خلال الأسبوع الماضي ما يقرب من 200 صاروخ باليستي ردًا على اغتيال نصر الله.
وليس هذا فحسب، بل إن الصراع يحتمل أن يشهد موجات أعمق من المواجهات، وسط مخاوف من جر المنطقة لحرب شاملة قد تشمل أطرافًا أخرى.
ضغوط أمريكية
حاولت إدارة بايدن أن تمارس القليل من الضغط على نتنياهو، في الوقت الذي كانت تؤكد مرارًا دعمها الكامل له في حربه على غزة.
وتزعم الإدارة الأمريكية أن لولا هذه الضغوط، لكانت “العملية البرية في رفح” كما يُطلق عليها الاحتلال والولايات المتحدة، أشد قسوة مما كانت عليه، حتى رغم الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة الجنوبية.
وفي خطوة قوبلت بالعديد من الانتقادات، قررت الولايات المتحدة قبل غزو رفح تعليق بعض المساعدات العسكرية المقدمة إلى إسرائيل والتي كانت تتضمن قنابل بوزن 2000 رطل و500 رطل، كنوع من العقاب على جموح نتنياهو.
ولكن بايدن لم يسلم من انتقادات الجمهوريين في واشنطن، وكذلك من نتنياهو، ما دفعه لإلغاء القرار.
وتزعم الولايات المتحدة كذلك أن جهودها كانت سببًا في دخول المزيد من المساعدات إلى القطاع المحاصر، وذلك على الرغم من حالة الجوع المتردية التي يعيشها القطاع.
سياسة فاشلة
أحد الانتقادات الموجهة إلى السياسة الأمريكية، هو محاولاتها للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن، في الوقت الذي تدعم فيه إسرائيل بالأسلحة.
وتمنح الولايات المتحدة الاحتلال سنويًا ما قدره 3.8 مليار دولار تقريبًا، بخلاف المساعدات الإضافية التي منحتها على مدار العام الماضي.
ويرى مراقبون أن ما يحدث بمثابة تناقض صريح في المواقف، وأن تصاعد حدة الحرب وطول أمدها يعكس الفشل الذريع للسياسة الأمريكية.
ولكن حلفاء الولايات المتحدة يرون أن السياسة الأمريكية كان لها دور كبير في تحجيم إنفلات الصراع، والدليل على ذلك الهدنة التي عُقدت في نوفمبر الماضي، والتي أدت لإطلاق سراح أكثر من 100 رهينة لدى حماس، مقابل 300 سجين فلسطيني في سجون الاحتلال.
من جانبهم يقول المسؤولون الأمريكيون إن الولايات المتحدة كان لها يد في الحد من جموح إسرائيل في الهجوم على لبنان، والذي كان يمكن أن يحدث في وقت أبكر بكثير خلال العام الجاري.
ولكن لماذا فشلت دبلوماسية الولايات المتحدة؟
بحسب محللون فإن معارضة نتنياهو كانت العقبة الأكبر أمام إرادة واشنطن السياسية نحو إنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
وكلما حاولت إدارة بايدن إقناع نتنياهو بالعدول عن توسيع الصراع، كانت تصطدم باليمنيين المتطرفين الذين تعج حكومة الاحتلال بهم ومن بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريش، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير.
وهدد الوزيران هذا الصيف بإسقاط حكومة نتنياهو إذا قرر الموافقة على اتفاق بشأن وقف إطلاق النار.
من ناحية أخرى، كانت مخاوف نتنياهو من التعرض للمحاكمة بعد انتهاء الحرب دون تحقيق أهداف الاحتلال عاملًا مهمًا في تعطيل أي اتفاق، وأبدى رئيس وزراء الاحتلال تعنت وفرض شروطًا صعبة من أجل الموافقة.
ولكن نتنياهو يرفض دائمًا الأقاويل بأنه ساهم بشكل كبير في عرقلة الاتفاقات، وقال إنه كان ينفذ سياسة الولايات المتحدة.
انتقادات داخلية
يرى العديد من الأمريكيين سواء كانوا محللين ومراقبين للأوضاع أم مدنيين، أن الإخفاق الأكبر لإدارة بايدن كان في حجم القتلى الذي خلفتهم الغارات الإسرائيلية في قطاع غزة.
وشهدت الجامعات الأمريكية والشوارع تظاهرت ضمت الآلاف للتنديد بالإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل بحق شعب غزة، وتنتقد الإدارة الأمريكية على صمتها.
ويصف محللون الإدارة الأمريكية بأنها بمثابة تابع للاحتلال، إذ إنها تعهدت بدعم إسرائيل بشكل لا محدود.
ولأن نتنياهو وضع أهدافًا غير قابلة للتحقيق على الأرض مثل القضاء على حماس، فهذا يعني أن الحرب ممتدة إلى ما لا نهاية، وأن الولايات المتحدة مرغمة على تقديم دعمها لإسرائيل مهما كانت العقبات والنتائج والأهداف.
المصدر: BBC