عادة ما يظهر قادة العالم أفضل ما لديهم خلال أحاديثهم المعلنة، وأحيانًا تكون ردود فعلهم لا تتناسب مع المواقف المختلفة بما يجعلها زائفة، ولكن المفاجأة أن الكواليس تنطوي على الكثير.
ويُسلط الصحفي بوب وودوارد في كتابه الجديد “الحرب” الضوء على ما يحدث خلف ستار الدبلوماسية الأمريكية وغيرها من الدول.
وكشف الكتاب عن محادثات خاضها الرئيس الأمريكي جو بايدن وكانت مليئة بالشتائم والتقييمات الصريحة لزعماء العالم، ومن بينهم بوتين ونتنياهو.
وفي أحد اللقاءات الخاصة في وقت سابق من 2024 حينما زادت حدة الصراع بين الاحتلال وحماس في غزة، وصف بايدن نتنياهو بـ “الابن القذر”، وقال إن “نتنياهو رجل سيء للغاية”.
وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، قال بايدن لمستشاريه في اجتماع داخل المكتب البيضاوي، إن بوتين “لعين وشرير”، متابعًا: “نحن نتعامل مع نموذج الشر”.
وتطرق الكتاب كذلك لتفاصيل خاصة بالمحادثات التي أجراها دونالد ترامب مع بوتين، وشحنة سرية من معدات اختبار كوفيد-19 أرسلها ترامب إلى الرئيس الروسي لاستخدامه الشخصي خلال ذروة الوباء.
كما يكشف بعض التفاصيل عن اللحظات الحاسمة بين بايدن وفريقه للأمن القومي عند مناقشة الأزمات الدولية، بداية من الانسحاب الكارثي من أفغانستان، مرورًا بمواجهة بوتين خلال حرب أوكرانيا، إلى معارك نتنياهو.
نقاط بارزة
اعتمد وودوارد في كتابه على مئات الساعات من المقابلات مع المشاركين المباشرين، والتي تركّز على الحروب السياسية والشخصية التي خاضها بايدن خلال رئاسته ومن بينها قرار انسحابه من انتخابات 2024 وأزمة نجله هانتر.
وذكر وودوارد في كتابه عدة نقاط بارزة ومنها:
*فريق الأمن القومي التابع لبايدن اعتبر في وقت من الأوقات أن هناك تهديدًا حقيقًا باستخدام بوتين للأسلحة النووية في أوكرانيا.
*قال بايدن إنه “لم يكن ينبغي له أبدًا اختيار” المدعي العام ميريك جارلاند خلال محادثة حول المشاكل القانونية التي يواجهها ابنه.
*ينقل وودوارد عن بايدن قوله بأن أوباما أخطأ في تقييم جدية بوتين في غزة شبه جزيرة القرم في عام 2014.
*وفقًا لأحد مساعدي ترامب، أجرى الرئيس الأسبق نحو 7 مكالمات مع بوتين عند مغادرته البيت الأبيض في 2020.
ولكن المتحدث باسم ترامب ستيفن تشيونج، نفى احتمال أن يكون وودوارد وصل إلى أي معلومات من المذكورة بتصريح من ترامب، مؤكدًا أن ما ذكرة وودوارد مجرد قصص مختلقة.
غزو أوكرانيا
بحسب الكتاب، حصل القيادة الأمريكية قبل الغزو الروسي على معلومات استخباراتية في أكتوبر 2021، تُفيد بأن بوتين يخطط لغزو أوكرانيا بـ 175 ألف جندي.
ويؤكد وودوارد أن تلك المعلومات كانت بمثابة إنجاز استخباراتي أمريكي اعتمد في الأساس على مصدر داخل الكرملين نفسه.
ويُشبّه الكاتب ما حدث بأنه بمثابة الدخول إلى خيمة العدو وسط معركة طاحنة، واستكشاف الخرائط والاطلاع على الخطط.
وعلى الرغم من أن خطة بوتين كنت جديدة تمامًا بالنسبة لبايدن ومستشاريه، إلا أنهم لم يصدقوها، ووصفها بايدن بأنها “مجنونة تمامًا”.
وفي مكالمة فيديو ثم مكالمة هاتفية في ديسمبر 2021، واجه بايدن بوتين بالمعلومات التي حصل عليها، وبدأت درجة سخونة المحادثة في التصاعد لدرجة أن بوتين هدد بايدن بالحرب النووية.
ووقتها رد عليه بايدن قائلًا إن الفوز في حرب نووية أمر مستحيل.
من جانبه رفض الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي التحذيرات المتكرر بالغزو الروسي المحتمل، حتى بعد أن أخبرته نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال اجتماع في فبراير 2022 في مؤتمر ميونيخ للأمن أن الغزو وشيك.
وحثت هاريس زيلينسكي على البدء في وضع خطة محكمة لإدارة البلاد حال عدم وجود سواء بالقتل أو القبض عليه، وفي أعقاب الاجتماع قالت هاريس إنها قلقة من أن تكون تلك المرة الأخيرة التي يرون فيها الرئيس الأوكراني.
الأسلحة النووية
كشف كتاب الحرب عن اللحظات التي شعرت فيها الولايات المتحدة بالفعل بخطر استخدام بوتين للأسلحة النووية.
وقال إنه في سبتمبر 2022، أوردت تقارير استخباراتية أمريكية أن حالة اليأس التي يعيشها بوتين بسبب خسائره في ساحة المعركة، قد تدفعه لاستخدام الأسلحة النووية.
وبناء على التقارير الاستخباراتية الجديدة المثيرة للقلق، اعتقد البيت الأبيض أن هناك فرصة بنسبة 50% لاستخدام روسيا لسلاح نووي تكتيكي – وهو تقييم مذهل ارتفع بشكل كبير من 5% إلى 10%، بحسب وودوارد.
ووقتها بدأ بايدن في توجيه الأوامر لمستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، بالتواصل مع الروس عبر جميع القنوات، لإخبارهم بما يمكن لواشنطن أن تفعله تجاه خطوة مثل تلك.
وفي مكالمة هاتفية متوترة بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره الروسي في أكتوبر 2022، قال الأول لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إن التفكير في استخدام الأسلحة النووية سيتم الرد عليه بعزل روسيا عن الساحة العالمية من خلال إعادة النظر في الطريقة التي تعمل بها الولايات المتحدة في أوكرانيا.
ولكن شويغو وقتها رفض التهديد الأمريكي وقال إن نبرة الحديث لا تعجبه.
وقال أوستن، بحسب وودوارد: “سيدي الوزير، أنا قائد أقوى جيش في تاريخ العالم. أنا لا أطلق التهديدات”.
وبعد يومين من تلك المكالمة، تواصل الروس مرة أخرى مع القيادة الأمريكية، ووقتها زعموا أن أوكرانيا كانت تخطط لاستخدام القنبلة الذرية، ولكنها قصة قالت عنها الولايات المتحدة أنها كاذبة، واختلقتها روسيا كمبرر لنشر أسلحتها النووية.
ووفق كتاب وودوارد، فإن أوستن أبلغ شويغو بأن تلك الأخبار غير صحيحة ولا توجد مؤشرات واضحة عليها.
وقال كولن كاهل، أحد كبار المسؤولين في البنتاغون، في وقت لاحق عن هذه الحادثة: “ربما كانت هذه اللحظة الأكثر إثارة للرعب في الحرب بأكملها”.
أسرار بوتين وترامب
يتناول الكتاب كذلك تفاصيل سرية في العلاقة بين ترامب وبوتين، ففي عام 2020 أرسل الأول إلى الثاني مجموعة من أجهزة اختبار كوفيد من إنتاج شركة أبوت بوينت أوف كير لاستخدامه الشخصي.
وكان تبادل المعدات الطبية وأجهزة التنفس الصناعي أمرًا شائعًا بين الدول خلال فترة كوفيد، ولكن بوتين وقتها طلب من ترامب أن يبقى تسليم أجهزة أبوت سرًا.
بخلاف ذلك بقي ترامب على اتصال مع بوتين حتى بعد خسارته الانتخابات في 2020 وتركه لمنصبه.
ويروي وودوارد في كتابه ن ترامب في أحد المرات طلب من أحد كبار مساعديه مغادرة الغرفة لأنه سيُجري مكالمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويقول مساعد الرئيس السابق أن الأمر تكرر، إذ وصل عدد المكالمات بين ترامب وبوتين لـ7 كالمات بعد أن غادر ترامب البيت الأبيض في 2021.
ويكتب وودوارد أن مديرة الاستخبارات الوطنية في عهد بايدن، أفريل هاينز، “كانت حذرة” عندما سئلت عما إذا كانت هناك أي مكالمات هاتفية بين ترامب وبوتن بعد الرئاسة.
ويتطرق كتاب وودوارد أيضًا إلى قرار ترامب بالترشح للرئاسة مرة أخرى، بما في ذلك سلسلة من المحادثات مع حليفه وصديقه في لعبة الجولف، السيناتور ليندسي غراهام.
وبحسب ما نقله الكتاب عن الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام، فإن بايدن فاز في انتخابات 2020 بشكل عادل ولكن ترامب يرفض تصديق ذلك.
نتنياهو وبايدن
تناول الكتاب أيضًا العلاقات المتقلبة بين نتنياهو وبايدن في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، خصوصًا في ظل غياب الاستراتيجية الواضحة للاحتلال.
وقال وودوارد إن بايدن سأل نتنياهو في إحدى المكالمات في أبريل الماضي “ما هي استراتيجيتك يا رجل؟”، ورد رئيس وزرء الاحتلال: “دخول رفح”، ليرد عليه بايدن قائلًا: “ليس لديك أي استراتيجية”.
وبعد أن تسببت ضربة إسرائيلية في الشهر نفسه على سوريا عن مقتل جنرال كبير في الحرس الثوري الإيراني، أطلقت إيران 100 صاروخ باليستي على الأراضي المحتلة ردًا على الهجمة.
ووفق الكتاب، كان نتنياهو يريد الرد بقوة رغم اعتراض أغلب الصواريخ، ولكن بايدن قال إنه لا داعي لاتخاذ خطوات أخرى.
وفي النهاية، شنت إسرائيل ضربة محدودة ومدروسة ضد إيران، وهو ما اعتبره بايدن انتصارا.
لكن إحباط بايدن تجاه نتنياهو بلغ ذروته مع استمرار تصعيد الحرب.
ويكتب وودوارد أن بايدن قال عن نتنياهو في جلسة خاصة بعد دخول إسرائيل إلى رفح: “إنه كذاب لعين”.
وصرخ بايدن في وجه نتنياهو خلال مكالمة هاتفية في أعقاب الغارة الجوية التي استهدفت قائد عسكري بارز في حزب الله و3 مدنيين في بيروت، قائلًا: “ما هذا الهراء”.
وقال بايدن لنتنياهو: “أنت تعلم أن صورة إسرائيل حاليًا في جميع أنحاء العالم بأنها دولة مارقة”.
ولكن نتنياهو رد عليه بأنهم وجدوا في ذلك فرصة لتوجيه ضربة ناجحة قد تزيد من نفوذهم في المفاوضات.
صراعات بايدن الشخصية
يوثق الكتاب أيضًا علاقة بايدن بالرئيس السابق ترامب، إذ يذكر أن الرئيس الحالي الذي يتجنب ذكر اسم ترامب علنًا ويُشير إليه بلقب سلفي أو الرئيس السابق، إلا أنه في المحادثات الخاصة يُطلق عليه “الأحمق اللعين”.
وعن علاقته بأوباما، انتقد بايدن تصرف الرئيس الأمريكي الأسبق خلال غزو بوتين لشبه جزيرة القرم في 2014، وقال إنه لم يفعل اللازم لوقف هذه الخطوة.
وبحسب وودوارد، قال بايدن لصديق له: “لقد أخطأوا في عام 2014، ولهذا السبب نحن هنا. (في إشارة لغزو أوكرانيا). لقد أخطأنا. لم يأخذ باراك بوتين على محمل الجد قط”.
ظل بايدن بعيدًا عن وزارة العدل. لكن وودوارد يكشف في حديث خاص عن غضب الرئيس إزاء محاكمة ابنه، وخاصة تجاه النائب العام.
وبحسب كتاب “الحرب”، فإن بايدن أبدى ندمه على اختيار غرالاند للدفاع عن نجله.
المصدر: CNN