نجحت الصين في إطلاق مركبتها الفضائية “تشانغ آه – 6” إلى الجانب البعيد من القمر، وهبطت بسلام، أمس الأحد، في خطوة تسعى لها البلاد منذ فترة طويلة.
ومن المقرر أن تستغرق مهمة المركبة التي بدأت، يوم الجمعة، 53 يومًا في منطقة الحوض الجنوبي – أيتكين، بهدف جمع العينات ودراسة التضاريس.
وتُعد تلك المرة الثانية التي تهبط فيها الصين بنجاح على الجانب البعيد من القمر، بعد هبوطها التاريخي الأول في العالم بالمركبة “تشانغ آه -4” في حفرة “فون كرمان” في 3 يناير عام 2019.
ماذا يوجد على الجانب البعيد من القمر؟
هبطت المركبة الصينية في حفرة تصادمية على سطح القمر تُعرف باسم “حوض أبولو” في منطقة القطب الجنوبي البعيد.
وبحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا”، فإن قُطر تلك الحفرة التي تكشلت قبل نحو 4 مليارات سنة، يبلغ حوالي 2500 كيلو متر.
وقبل الهبوط، دارت المركبة حول القمر لمدة 20 يومًا ضمن مسبار أكبر يتكون من 4 أجزاء وهي: مركبة مدارية، ومركبة هبوط، ومركبة صاعدة، ووحدة إعادة الدخول.
ويقضي المسبار مدة يومين على الجانب المظلم من القمر، ويستغرق نحو 14 ساعة لجمع العينات القمرية.
ويكمن التحدي في أن الجانب البعيد من القمر لا يخضع لقوانين الاتصالات العادية بل إنه خارج نطاقها، وبالتالي فسيكون الاعتماد الأكبر على القمر الصناعي Queqiao-2 الذي تم إطلاقه في مدار القمر في مارس.
ويقول نائب كبير المصممين في إدارة الفضاء الوطنية الصينية، لي تشونلاي، إن الجانب البعيد من القمر بختلف كثيرًا عن الجانب القريب، إذ يتكون وفق وصفه من القشرة القمرية القديمة والمرتفعات.
وأضاف تشونلاي إن هناك الكثير من الأسئلة التي تحيط بطبيعة المكان هناك، وهو ما يتطلب إجابات عليها.
هل الجانب البعيد من القمر “مظلم” حقًا؟
في الواقع تسمية “مظلم” خاطئة إلى حد كبير، وهو مجرد اسم تم إطلاقه تيمنًا بألبوم فرقة الروك “بينك فلويد” الذي تم إطلاقه في عام 1973.
وجاء لقب المظلم نظرًا لغموض تلك المنطقة من القمر وعدم توافر المعلومات الكافية عنها، ولذلك فإن التسمية تأتي من باب التحفيز لكشف المزيد عن هذا الجانب.
ويقول الخبراء إنه على الرغم من تلك التسمية، إلا أن الجانب البعيد من القمر لديه يوم قمري وليلة قمرية، تمامًا كما في الجانب القريب، كما أنه يتلقى الكثير من الإضاءة.
وتوضح وكالة “ناسا” إن الليلة القمرية تستمر لمدة أسبوعين تقريبًا، ويستمر اليوم القمري ما يزيد قليلاً عن 29 يومًا.
ولكن في نفس الوقت تم إطلاق العديد من المركبات التي دارت بالقرب من تلك المنطقة من قبل، وبالتالي فلم تعد غامضة بشكل كبير مثلما كانت في السابق.
لغز “الجانب المظلم”
في عام 1959، أرسل الاتحاد السوفييتي ليحلق بالقرب من هذا الجانب، وتم التقاط أول صورة بشرية له.
وقال عالم مشروع ناسا لكل من مركبة الاستطلاع القمرية وأرتيميس 3، نوح بيترو، إن الصور أظهرت أن هذا الجانب لا يحتوي الحمم البركانية، كما أنه مليء بالحفر والثقوب وقشرته أكثر سمكًا.
وقال إن جمع العينات من هذا الجزء بشكل روبوتي سيضمن استكمال المعلومات عن هذا الجانب، بما يضيف صورة مكتملة للتاريخ، خصوصًا وأن الأسباب عن عدم التماثل بين الجزء القريب والبعيد من القمر لا زالت غير معروفة
وكشفت البيانات المدارية أيضًا أن الجانب القريب يحتوي على قشرة أرق ورواسب بركانية أكثر، لكن إجابات سبب ذلك استعصت على الباحثين، حسبما قال عالم جيولوجيا الكواكب في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز، بريت دينيفي.
وأضاف دينيفي أن الجانب البعيد يحتوي على نوع مختلف من التركيب الجيوكيميائي مع بعض العناصر الغريبة المنتجة للحرارة.
وأكد: “لذلك الوصول إلى الجانب البعيد وإجراء القياسات الجيوفيزيائية أمر مهم لاكتشاف هذا اللغز الكبير”.
أهداف المهمة الصينية
تسعى الصين من خلال مركبتها إلى جمع العينات القمرية وإيصالها إلى الأرض لدراستها وتحليلها.
وسيتم استخدام مثقاب وذراع ميكانيكية لجمع عينات قدرها 2 كيلوغرام من غبار القمر والصخور الموجودة في منطقة الحوض.
وبعد جمع العينات سيتم تخزينها بطرق محددة في مركبة الهبوط بشكل آلي في مركبة الصعود التي هبطت بها.
ووفق ما أعلنته إدارة الفضاء الوطنية الصينية، فإن الخطوة التالية بعد تخزين العينات هي عودة مركبة الصعود إلى المدار القمري، حيث ستلتحم وتنقل العينات إلى كبسولة إعادة الدخول.
ومن المقرر أن تعود المركبة المدارية بعد ذلك إلى مدار الأرض، ومن ثم تنفصل كبسولة الدخول إلى موقع الهبوط Siziwang Banner في منطقة منغوليا الداخلية الريفية في الصين.
مستقبل الصين الفضائي
إذا نجحت تلك المهمة فإنها ستكون بداية على طريق هيمنة الصين باعتبارها قوة فضائية كبيرة.
كما تسعى البلاد إلى إرسال رواد فضاء على سطح القمر بحلول عام 2030، لبناء قاعدة بحثية في القطب الجنوبي وهي المنطقة التي يُعتقد أنها مليئة بالجليد المائي.
ويأمل الخبراء أن توفر العينات التي ستجمعها مركبة الفضاء “تشانغ آه – 6” أدلة حول أصل تطور القمر والأرض والنظام الشمسي، بما يساعد على تعزيز طموحات وآمال الصين الفضائية.
كما أنهم يأملون أن توفر تلك العينات معلومات عن هذا الجانب الذي لم يخضع للدراسة على غرار بقية أجزاء القمر.
ويأتي هبوط الصين الجديد ضمن تنافس قوي بين الولايات المتحدة وعدة دول أخر مثل الهند على الوصول إلى الجانب البعيد من القمر، لاكتشاف الفرص والفوائد العلمية والاستراتيجية هناك.
وحققت الهند خطوة مهمة في تاريخها الفضائي عندما هبطت العام الماضي على سطح القمر للمرة الأولى، لتكون رابع دولة تتخذ تلك الخطوة في العالم.
على الجانب الآخر، باءت أول مهمة هبوط روسية على سطح القمر العام الماضي منذ عقود بالفشل، عندما اصطدم مسبارها لونا 25 بسطح القمر خلال مهمة الهبوط.
ولحقتها اليابان بخطوة مماثلة، إذ هبطت أول مركبة فضائية يابانية Moon Sniper على سطح القمر في يناير الماضي، رغم مواجهتها بعض المشكلات في الهبوط.
المصدر: CNN