أحداث جارية سياسة

الدرعية.. 3 قرون من العلم والثقافة منذ عصر التأسيس

رحلة تأسيس الدولة السعودية

يرتبط الاحتفال السنوي بيوم التأسيس دائمًا بذكر الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، التي كانت بمثابة منارة علم ومركز حضاري وثقافي وتجاري.

وبرز دور الدرعية في أعقاب تأسيس أركان الدولة السعودية الأولى في 1139هـ و1727م، على يد مؤسسها الإمام محمد بن سعود، بعد نحو 1000 عام عانت فيها المملكة من الإهمال وعدم الاستقرار.

ومنذ ذلك الوقت عكف الإمام محمد بن سعود على الاهتمام بالعلم والتعليم والتطوير والتنمية، وكانت الدرعية أفضل نموذج لذلك والتي تحولت من مجرد مدينة إلى دولة توحد كل الأرجاء.

بداية الدرعية

وفق المختص بالتاريخ السعودي الدكتور، محمد العبد اللطيف، فإن تاريخ الدرعية يعود إلى عام 850هـ، إذ تأسست على ضفتي وادي حنيفة في عهد الأمير مانع بن ربيعة المريدي.

وكان حي “غصيبة” داخل المدينة بمثابة المركز الرئيسي، وحي “فيضة المليبيد” مقر المزارع بسبب السيول المتدفقة من وادي صفار، الذثي نقل التربة الخصبة والمياه.

وبمرور الوقت تطورت الدرعية ونشأت أحيا أخرى مثل: الطرفية، سمحان، السهل، المريّح، القصيرين، البجيري، الظويهرة، السريحة.

وفي عهد الإمام عبد العزيز بن محمد، تم نقل الدولة من الجانب الشرقي لوادي حنيفة إلى الجانب الغربي منه، ونشأ حي الطريف.

وتميز هذا الحي بموقعه الإستراتيجي، لذلك انتقل إليه مقر الحكم والإدارة.

العمارة في الدرعية

تركت عمارة الدرعية بصمة خاصة في الثقافة السعودية، من خلال أحيائها التراثية ومتاحفها.

وباتت الدرعية مركزًا عربيًا حضاريًا تمتزج فيها عراقة التاريخ وأصالة الحاضر، من خلال نهضة معمارية مميزة.

وتشتهر الدرعية بوجود قصر سلوى ومسجد الطريق، اللذان يتميزان بجمال التصاميم وقوة البناء.

وقد أبدع البناؤن المحترفون في إظهار العناصر الجمالية الخارجية لمباني الدرعية عمومًا.

وكان يتم تزيين تلك المباني بالحقاف، وهي الزخرفة التي تقع فوق الأفاريز “الحداير”، وهـي عبـارة عـن خطوط زخرفية ناتئة ومثلثة تحيط بواجهة البيت.

وكانت تختص الحداير بحماية الجدار من مياه الأمطار، بالإضافة إلى “الزرانيق” وهي الركن العلوي من البيت، و”الشرف” وهي زينة السطح.

ومن مميزات العمارة في ذلك الوقت وجود ثقوب مثلثة في الجدران، لتهوية البيوت وإدخال الإضاءة إليه، وكانت تعرف بـ”اللهوج” عند أهل نجد.

ويقول العبد اللطيف، إن عمارة الدرعية استحدثت أشكالًا غير ملوفة في الجزيرة العربية وقتها، ومنها الارتفاع إذ يتراوح ارتفاع قصر سلوي بين 22 و23 مترًا.

كما تميزت المباني بضخامتها وسماكتها وقوة بناءها، وهو ما جعلها صامدة حتى الوقت الحالي.

وكانت معظم البيوت تتكون من دورين، وتهتم بالخصوصية في تصميمها من حيث أماكن الأبواب والشبابيك وغيرها.

وارتبطت العمارة بتكوين الملامح الأولى للدولة، حيث تم بناء بين المال والأوقاف وسبالة موضى، وقصر الضيافة.

وتحتضن الدرعية على ترابها اليوم معالم أثرية عريقة مثل: حي غصيبة التاريخي، ومنطقة سمحان.

كما تضم “حي الطريف” الذي وُصف بأنه من أكبر الأحياء الطينية في العالم وتم تسجيله في قائمة التراث الإنساني في منظمة اليونسكو.

هذا إلى جانب منطقة البجيري ووادي حنيفة في الدرعية، إضافة إلى أن النظام المالي للدولة وصف بأنه من الأنظمة المتميزة من حيث الموازنة بين الموارد والمصروفات.

 تجانس مجتمعي

كانت منطقة وسط الجزيرة من أقل المناطق اختلاطًا وامتزاجًا للسكان، ولكن بنشأة الدرعية بدأ طلاب العلم والتجار التوافد على المدينة للاستفادة من حركة التجارة والعلم.

وبدأ الوافدون باختلاف طبقاتهم بالانصهار بين السكان، وبمرور الوقت ازداد أعدادهم وتوسعت مساحة المدينة.

وخلال عهد الدولة السعودية الأولى، تحسنت جودة الحياة في الدرعية، وأكبر دليل على ذلك هو تحسن جودة الخامات والأغذية المتنوعة وسبالة موضى المخصصة لإقامة التجار وطلاب العلم، وغيرها.

 مركز ثقافي

اهتم الإمام محمد بن سعود بنشر العلوم والثقافة، وترسيخ طلب العلم وفق رؤى مستقبلية.

واشتهرت الدرعية بمجالس العلم التي كان يحضرها الأئمة صباحًا ومساءً في المساجد والبيوت.

وقصد طلاب العلم تلك المجالس من كافة الأرجاء، ما جعلها أشبه بالجامعة في وقتنا الحالي.

ومن نماذج دعم واهتمام الدولة بالجانب التعليمي في تلك الحقبة، حي البجيري.

 ورغم أنه لم يكن حيًا بتلك الضخامة إلا أنه ضم 30 مدرسة، ويعد ذلك عددًا هائلًا في تلك الفترة.

 كما ضم مبنى تعليميًا، يستوعب 200 من طلبة العلم، يشمل إسكانهم ومأكلهم ومشربهم.

 ومن ملامح الثقافة في الدرعية كما يذكر الدكتور العبد اللطيف، ظهور مدرسة للخط والنسخ والتي أخرجت عددًا من النساخ والخطاطين.

وأقام النساء حلقات تعليم في البيوت، وقد برعن في مجال الخط، ومنهن من خطت المصحف، أو آيات من القرآن الكريم.

ومن أبرز صور الثقافة في الدولة السعودية الأولى هو “الرواي”، إذ ارتبطت الرواية بتاريخ وثقافة الجزيرة العربية.

وتوارثت الأجيال المختلفة الرواية بمهاراتها اللغوية والإلقائية، وبخيال واسع وأسلوب جذاب، التي كانت بمثابة وسيلة للترفيه والتسلية.

وامتلكت الدرعية ثقافة خاصة بها، كان أشهرها “نخوة العوجا”، وهو النداء الذي يبث الحماس والفخر وروح الانتماء.

وقدّر أهل وسط الجزيرة العربية عمومًا الفن باعتباره وسيلة للتعبير عما يدور في خلدهم، ولهذا استخدموا الآلات مثل الطبول والرقصات مثل العارضة والسامري.

اقرأ أيضًا

الدولة السعودية الأولى.. شخصيات مهمة بدأت الملحمة

أسرار تأسيس السعودية.. لماذا قامت الدولة قبل 300 عام؟

العدالة الاجتماعية في السعودية.. أرقام حول البطالة ومشاركة المرأة

المصدر: واس