لم يعد من الخفي أن خطر ضرب وباء جديد للعالم لا يزال محتملًا، خصوصًا بعد جائحة فيروس كوفيد التي تسببت تداعيتها في آثار جانبية ضخمة على الصحة والاقتصاد العالميين حتى الآن.
ويرى خبراء الصحة العامة أن الفكرة لا تتعلق باحتمالية الإصابة بوباء آخر من عدمه، ولكن يكمن جوهر الأمر في التوقيت الذي سيضرب فيه الوباء الجديد وكذلك مصدره.
الفيروسات
يرى العديد من الخبراء أن الوباء الجديد قد يكون مصدره الفيروسات باعتبارها المصدر الأول لمعظم الأوبئة الحديثة، ولذلك هي مرشحة بقوة لتكون مصدر الوباء التالي.
وتوقع أستاذ علم الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة ستانفورد، الدكتور دين وينسلو، أن تكون الفيروسات المنقولة عبر الجهاز التنفسي هي المسبب للوباء القادم، والتي ربما تكون متحورات للفيروسات التاجية المسببة للإنفلونزا.
وأشار وينسلو إلى العديد من الفيروسات التي انتقلت من الحيوانات إلى البشر مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) التي نشأت في الجمال؛ والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة “سارس” التي نشأت في الثدييات الصغيرة.
ولفت أيضًا إلى فيروس نقص المناعة البشرية الذي نشأ في الشمبانزي، إلى جانب كوفيد- 19 لتي تقول بعض الدراسات أنه نشأ في البداية في كلاب الراكون.
ومن المرجح أن ينشأ الوباء القادم من فيروس موجود لدى الخفافيش – باعتبارها تمتلك أعلى نسبة من الفيروسات الحيوانية المنشأ بين الثدييات – أو القوارض والطيور، وفق الخبراء.
وتتزايد تخوفات العلماء من الانفلونزا تحديدًا كمرشح قوي للوباء القادم، ففي حين أنها أحد الأمراض البسيطة إلا أنها شهدت تحولات خطيرة تسببت في أوبئة فتاكة خلال القرن الماضي ومنها وباء الأنفلونزا الإسبانية في عام 1918، ووباء أنفلونزا H2N2 في عام 1957، ووباء أنفلونزا H3N2 في عام 1968، وجائحة H1N1 في 2009.
وما يزيد من قلق الخبراء هي فترة الحضانة حضانة المرض القصيرة التي تجعل المرض ينتشر بسرعة، وهو ما يُنذر بوباء مميت إذا ظهرت سلالة جديدة يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء العالم.
البكتيريا
كانت البكتيريا السبب الرئيسي في انتشار أوبئة مثل الكوليرا والطاعون الدبلي، ولكن العلماء يستبعدون أن تتسبب البكتيريا في جوائح بهذا الشكل مرة أخرى.
يقول الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة والمناعة في كلية الطب، بابلو بينالوزا، إن التطور في البنى التحتية وشبكات الصرف الصحي والوعي بأهمية النظافة الشخصية وغسل اليدين واتخاذ التدابير اللازمة، يشعف فرص البكتيريا في إنشاء وباء مستقبلي في مقابل الفيروسات التي يمكن أن تنتشر رغم الإجراءات الاحترازية.
ولكن في نفس الوقت لم ينف بينالوزا تمامًا احتمالية أن تتسبب البكتيريا في وباء، إذا إن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية موجودة وتتسبب في أمراض مختلفة ووفيات حول العالم.
وتُشكّل مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تهديدًا عالميًا عاجلًا للصحة العامة، يرجع إليها ما لا يقل عن 1.27 مليون حالة وفاة في عام 2019.
الفطريات
لا ينكر العلماء أن الفطريات أحد التهديدات الصحية الكبيرة، وقد يؤدي تطورها في ظهور أمراض جديدة خلال العشرين عامًا القادمة تتسبب في مئات الآلاف من الوفيات سنويًا.
ويقول المتخصص في الالتهابات الفطرية والمدير المشارك في وحدة الأبحاث السريرية للأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، أندريه سبيك، إن هناك العديد من الفطريات التي تتسبب في وفاة نحو 100 ألف شخص سنويًا.
ومن بين الفطريات التي تم اكتشافها حديثًا هي “مبيضات أوريس”، والتي قتلت منذ 2009 وحتى الآن مئات الآلاف من الحالات في بلدان عديدة حول العالم.
ويتميز هذا النوع من الفطريات بمقاومته الشديدة التي تؤدي إلى وفاة ثلث المرضى المصابين بها، كما أنه قادر على التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري.
ولكن سبيك يعتقد أنه من غير المرجح أن نشهد وباءً فطريًا بحجم جائحة كوفيد-19، خصوصًا وأنه لم يحدث من قبل.
ويوضح بينالوزا أن الميزة البيولوجية التي تتمتع بها الفيروسات والبكتيريا على الفطريات هي أنها تتكاثر بشكل أسرع بكثير، مما يسمح لها بالانتشار بسهولة أكبر.
ورغم ذلك، لا يستبعد بينالوزا أن يكون الوباء القادم فطريًا، ولكنه يراهن بشكل أكبر على الفيروسات كمصدر أساسي للوباء القادم المحتمل.
البراكين.. هكذا تتشكّل تحت الأرض وتخرج للسطح