أعمال

كيف ستؤثر موجات الحر الشديدة على مستقبل الوظائف؟

تلقي التغيرات المناخية بظلالها على العديد من أنماطنا الحياتية، وفي حين أن البيئة هي المتضرر الأكبر إلا أنه بمرور الوقت تتكشف بعض النواحي الأخرى المتأثرة كان آخرها الوظائف.

ومع زيادة الاحترار وطول أمد موجات الحر التي يشهدها الكوكب، بات مستقبل بعض الوظائف عُرضة للتغييرات، مع تراجع قدرة الأشخاص على تحمل درجات الحرارة المرتفعة.

وخلال هذا الشهر، سجلت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أسوأ أسبوعًا على الإطلاق في درجات الحرارة، وشهدت أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وشمال أفريقيا موجات غير مسبوقة من الحر.

ما التغيير الذي سيطرأ على الوظائف؟

بحسب أستاذ العلوم الحرارية في كلية الهندسة بجامعة سانت توماس بالولايات المتحدة، جون بي أبراهام، فإن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض يحبس الناس في أنماط أكثر سخونة من الطقس لفترات أطول.

وقال: “ما كان في السابق موجة حر من يوم إلى يومين أصبح الآن من 3 إلى 5 أيام، والأشخاص الذين يمكنهم تحمل يوم أو يومين من الحرارة الزائدة سيواجهون العديد من المشكلات مع فترات أطول”.

ويتوقع العلماء أن استمرار تغير المناخ الذي يؤدي إلى درجات حرارة أعلى، سيضفي العديد من التغييرات على الطريقة التي يعمل بها الأشخاص، بما يتطلب من الشركات أن ترتقي بمستويات الحماية التي توفرها لموظفيها.

ووفق الخبراء، سيتم تقسيم التغييرات في مكان العمل بشكل عام إلى فئتين، إحداهما داخلية والأخرى خارجية، والتي ستحظى بالتغييرات الأكبر.

بيئة العمل الخارجية

تشمل البيئة الخارجية فئات مثل عمال النظافة والعاملين في البناء، الذين تتطلب مهام وظائفهم العمل في درجات حرارة مرتفعة وتحت أشعة الشمس المباشرة.

وكمثال، شهدت مدريد في عام 2022، حادث وفاة أحد عمال النظافة في الشارع، بعد أن أصيب بضربة شمس بسبب الحرارة المرتفعة.

ويقول أبراهام: “سيتطلب العمل في الهواء الطلق في درجات الحرارة نوبات أقصر مع المزيد من فترات الراحة، والعمل في مناوبات ليلية”.

ولكن تغيير فترات العمل بالنسبة لهذه الفئات من الصباح إلى المساء، ليس سوى حل جزئي، ولا يدفع كل المخاطر المحتملة.

فبحسب أبراهام، ترتفع درجات الحرارة ليلاً بشكل أسرع من درجات الحرارة أثناء النهار، وهو ما يتسبب في ارتفاع درجة حرارة أجسام العمال التي لا تبرد بسهولة، إلى جانب بعض المشكلات الأخرى مثل ضعف الرؤية.

ويرى أبراهام أن الشركات ستعتمد على مراكز التبريد المكيفة مستقبلًا، والمخصصة للعاملين في البيئات غير الخاضعة للتحكم في درجات الحرارة، كما أنها ستعمل على تخصيص فترات راحة لهم للمساعدة في خفض دراجة حرارة أجسامهم، بما يساعدهم على مواصلة العمل.

بيئة العمل الداخلية

بالنسبة للموظفين الذين يعملون في البيئات الداخلية، فهم أكثر أمانًا نسبيًا من التعرض لدرجات الحرارة القصوى، ولكن يجب عليهم أيضًا توقع تغييرات في إجراءات عملهم.

وفق المحاضر الأول في الاستدامة والأعمال الدولية والقيادة والإدارة والموارد البشرية في كلية الأعمال الدولية بجامعة تيسايد بالمملكة المتحدة، منصور سومرو، فإن بعض التغييرات التي طرأت بالفعل على بيئة العمل في الوقت الحالي، قد تكون فعالة خلال موجات الحر الشديدة.

ومن بين هذه التغييرات: العمل عن بُعد، والعمل المختلط، والعمل لمدة 4 أيام فقط في الأسبوع وتقليص ساعات العمل إلى 6 ساعات بدلًا من 8.

ويوضح: “هذا يقلل من التنقل، والذي يمكن أن يزيد من استنزاف طاقة الموظفين، يمكن للموظفين أيضًا أن يشعروا براحة أكبر في الحر في المنزل بفضل ارتداء ملابس غير رسمية”.

ما المطلوب من أصحاب العمل؟

يقول سومرو إن درجات الحرارة المبالغ فيها تؤثر على قدرة الأشخاص على العمل، وتؤدي إلى تراجع الإنتاجية من خلال التغيب عن العمل، كما ينعكس أيضًا على حياة العاملين الأسرية.

وقد يساعد إدخال أصحاب العمل لبعض التدابير الجديدة على بيئة العمل، في المساعدة على تجنب مخاطر موجات الحر الشديدة.

ومن بين هذه الإجراءات هو تحديد الفئات الأكثر عُرضة للتأثر بارتفاع درجة الحرارة، بما في ذلك المسنين والحوامل وذوي الإعاقة، ومنحهم بدلات وحوافز إضافية.

ويتوقع سومرو أن تدشن بمبادرات وأنشطة تتعلق بالصحة، مثل ورش عمل تدريبية حول إدارة الإجهاد الحراري، أو خطط اللياقة البدنية والتغذية لمساعدة العمال على التكيف مع المناخ المتغير.

ومن بين الحلول الأخرى لمواجهة الاحترار في بيئات العمل، هو الاستثمار في البنى التحتية المقاومة للحرارة، والتي تتضمن بنية تحتية مستدامة مع نظام تكييف هواء أفضل”.

وبدأت بعض الدول بالفعل في سن تشريعات جديدة متعلقة بارتفاع درجات الحرارة، ومن بينها إسبانيا، والتي تُجبر أصحاب العمل على تكييف ظروف العمل بما يتناسب مع الظروف المناخية، سواء بتقليل ساعات العمل أو منح إجازات.

لماذا يعد عام 2023 أكثر الأعوام ارتفاعًا في درجة الحرارة؟

أوروبا على صفيح ساخن.. لماذا تجتاح موجات الحر القارة وما هي أبرز البؤر؟

ما الذي يسبب موجة الحر في أوروبا وماذا يُقصد بظاهرة إل نينيو؟