بدأ الملايين من حجاج بيت الله الحرام بالتوجه إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية، مع بزوغ فجر اليوم الأربعاء، الثامن من شهر ذي الحجة 1446 هجرية، في مشهد إيماني مهيب يعكس الشوق إلى أداء مناسك الحج لإتمام خامس ركن في الإسلام تقربًا إلى الله تعالى.
ظهر الحجاج وهم يسيرون في سكينة مكثرين من التلبية والتسبيح والتكبير، مقتدين بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أملًا في القبول والمغفرة.
تعد الإقامة في منى خلال يوم التروية والمبيت فيها من الواجبات على الحجاج القادمين بإحرامهم سواء كانوا مفردين أو مقرنين، وذلك قبل توجههم للوقوف بمشعر عرفة وفقًا لجمهور علماء المسلمين.
أما الحجاج المتمتعون، فيحرمون من أماكنهم في مكة أو خارجها، ويقضون يومهم في منى حتى بزوغ شمس التاسع من ذي الحجة، ثم يتوجهون إلى عرفة.
وبعد النفرة من عرفة والمبيت بمزدلفة ضمن مناسك الحج، يعود الحجاج إلى منى لقضاء أيام التشريق من العاشر إلى الثالث عشر من الشهر، حيث يقومون برمي الجمرات الثلاث، وهي جمرة العقبة، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى، وذلك امتثالاً لقوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى).
ويقع مشعر منى ذو المكانة التاريخية والدينية العميقة على بعد 7 كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام، بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة، تحيطه الجبال من الشمال والجنوب، ولا يُسكن إلا خلال موسم الحج، ويحده من جهة مكة جمرة العقبة، ومن جهة مزدلفة وادي “محسر”.
شهد هذا المشعر المبارك أحداثًا دينية هامة؛ ففيه رمى نبي الله إبراهيم عليه السلام الجمار، وذبح فدي إسماعيل عليه السلام، كما أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذه الشعائر في حجة الوداع، فقام برمي الجمرات وحلق، ليتبع المسلمون سنته في رمي الجمار وذبح الهدي والحلق.
ومن أبرز معالم منى، الشواخص الثلاث التي ترمى، ومسجد الخيف الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، وقد حظي بتوسعات وعناية فائقة على مر العصور.
كما شهدت منى بيعتي العقبة الأولى والثانية، حيث بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بُني مسجد البيعة تخليدًا لهذه الذكرى، وإضافة إلى ذلك، نزلت سورة “المرسلات” في غار بمنى، مما يزيد من قدسيته.
وفي إطار حرصها على راحة ضيوف الرحمن، تولي القيادة والحكومة السعودية اهتمامًا بالغًا بمشعر منى، حيث يتم توفير كافة الخدمات الأمنية والطبية والتموينية ووسائل النقل لضمان أداء الحجاج لمناسكهم بروحانية وطمأنينة، مؤكدةً الجهات الحكومية والخدمية استعدادها الكامل لإنجاح موسم الحج وتوفير كل سبل الراحة للحجاج خلال هذه الرحلة الإيمانية العظيمة التي تبدأ فعليًا من يوم التروية.