أوروبا تتجه لتجميد دائم للأصول الروسية.. وموسكو تهدد

ديسمبر ١٢, ٢٠٢٥

شارك المقال

أوروبا تتجه لتجميد دائم للأصول الروسية.. وموسكو تهدد

يقترب الاتحاد الأوروبي من اتخاذ خطوة غير مسبوقة بتجميد أصول البنك المركزي الروسي داخل أوروبا لفترة غير محددة، في إجراء من شأنه إزالة العقبة الأساسية أمام استخدام تلك الأموال في دعم أوكرانيا خلال حربها المستمرة مع موسكو.

وتسعى دول الاتحاد إلى تمرير القرار من خلال تصويت بالأغلبية المؤهلة، وهو ما يتطلب دعم 15 دولة من أصل 27 تمثل مجتمعة 65% من سكان الاتحاد. وتشير الخطة إلى فرض تجميد طويل الأمد على أصول سيادية روسية تتجاوز قيمتها 210 مليارات يورو (246 مليار دولار) بهدف ضمان استمرار القيود طالما بقي خطر اقتصادي مباشر على توازن اقتصاد الاتحاد الأوروبي.

وسيحل النظام الجديد محل الآلية الحالية التي تتطلب تجديد قرار التجميد كل ستة أشهر وبالإجماع، وهو ما كان يتيح لبلدان مثل المجر وسلوفاكيا ـ اللتين ترتبطان بعلاقات أوثق مع موسكو ـ إيقاف التمديد وخلق احتمال لإعادة الأموال إلى روسيا.

قرض مقترح لتمويل احتياجات أوكرانيا

يُعد تثبيت تجميد الأصول خطوة أساسية لإقناع بلجيكا بدعم مبادرة أوروبية تقضي بتوجيه الأصول الروسية المجمدة لتمويل قرض يصل إلى 165 مليار يورو لمساعدة أوكرانيا على سد احتياجاتها المالية والعسكرية خلال عامي 2026 و2027. وبموجب الخطة، ستسدد أوكرانيا المبلغ فقط عند دفع روسيا تعويضات الحرب، ليصبح القرض عمليًا دفعة مسبقة من تعويضات مستقبلية.

وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية إن برلين تعتبر القرض الخيار الواقعي الوحيد، رغم عدم الوصول إلى توافق نهائي بعد، بينما يُتوقع طرح القرار للحسم خلال قمة الاتحاد الأوروبي المقررة الأسبوع المقبل. ومن المنتظر أن يناقش القادة الأوروبيون بتاريخ 18 ديسمبر تفاصيل الضمانات المطلوبة، ومن بينها تعهدات تقدمها كافة الحكومات الأوروبية لبلجيكا لتفادي تحملها وحدها أي تبعات قانونية قد تترتب عن الطعون الروسية.

وتشير المصادر إلى أن ألمانيا ستقدم ضمانات بقيمة 50 مليار يورو من إجمالي 210 مليارات. ووفقًا لإحدى تلك المصادر، فإن فشل القمة في إقرار الاتفاق "سيبعث رسالة مدمرة إلى كييف" وسيُعتبر انتكاسة خطيرة للاتحاد الأوروبي نفسه. وقالت وزيرة المالية الدنماركية ستيفاني لوز، التي ترأس بلادها الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، إن بعض النقاط لا تزال بحاجة إلى تسوية، لكنها أعربت عن أملها في تهيئة الظروف للتوصل إلى اتفاق نهائي خلال اجتماع المجلس الأوروبي.

تحركات روسية مضادة

في المقابل، أعلن البنك المركزي الروسي أن استخدام أصوله داخل أوروبا يُعد انتهاكًا للقانون، مؤكدًا أنه سيستخدم جميع الوسائل القانونية للدفاع عن مصالحه. كما كشف عن رفع دعوى قضائية ضد شركة "يوروكلير" البلجيكية، التي تحتفظ بنحو 185 مليار يورو من الأصول المجمدة، في محكمة بموسكو، متهمًا إياها باتخاذ إجراءات تلحق ضررًا بقدرته على الوصول إلى أمواله.

وتواجه "يوروكلير" بالفعل سلسلة دعاوى روسية منذ تجميد أصولها في عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. كما اتهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الاتحاد الأوروبي، عبر منشور على فيسبوك، بأن التجميد الدائم سيتسبب في "ضرر لا يُمكن إصلاحه"، متعهدًا بأن تبذل بلاده كل ما في وسعها لإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

أزمة تمويل أوكرانية وضغوط أوروبية

دخلت أوكرانيا مرحلة نقص حاد في السيولة الضرورية لدعم جيشها واقتصادها بعد أربع سنوات تقريبًا من الحرب، فيما يرى الاتحاد الأوروبي أن سد العجز المالي المتوقع لميزانية كييف، والبالغ 135.7 مليار يورو خلال العامين المقبلين، يكمن في توجيه الأصول الروسية المحتجزة لدى "يوروكلير".

وتؤكد بروكسل وكييف أن استخدام تلك الأصول لإعادة إعمار ما دمرته الحرب أمر عادل، وهو ما ردده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمستشار الألماني فريدريش ميرز. لكن الخطة أثارت مخاوف في بروكسل وبروكسل، إذ حذرت الرئيسة التنفيذية لـ"يوروكلير" فاليري أوربان من أن التصرف بهذه الطريقة قد "يُزعزع استقرار النظام المالي العالمي".

وتحتفظ روسيا أيضًا بنحو 16 إلى 17 مليار يورو من أصول "يوروكلير" داخل أراضيها، ما يزيد تعقيد المشهد. وطرح رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر سلسلة شروط وصفها بـ"المعقولة" قبل قبوله بالخطة، ولم يستبعد اللجوء إلى القضاء إذا واجهت بلاده مخاطر جدية.

تفاصيل مقترحات الاتحاد الأوروبي المالية

على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي اقتصر حتى الآن على تحويل الأرباح المتولدة عن الأصول المجمدة إلى أوكرانيا — والتي بلغت 3.7 مليار يورو في عام 2024 — إلا أن تراجع الدعم العسكري الغربي في عام 2025 دفع بروكسل إلى البحث عن خيارات أكبر وأكثر مباشرة.

ويوجد مقترحان رئيسيان لتأمين 90 مليار يورو تمول ثلثي احتياجات كييف وهما:

الأول.. الاقتراض من أسواق المال بضمان ميزانية الاتحاد، وهو الخيار المفضل لبلجيكا لكنه يتطلب إجماعًا يصعب تحقيقه بسبب اعتراض المجر وسلوفاكيا.

الثاني.. توجيه السيولة الناتجة من الأصول الروسية المجمدة، المحفوظة لدى البنك المركزي الأوروبي عبر "يوروكلير"، وهو المسار الذي اكتسب زخمًا أكبر رغم مخاطره.

وتشير المفوضية الأوروبية إلى أنها أخذت بعين الاعتبار المخاوف البلجيكية، وتقترح حماية بروكسل بضمان يغطي إجمالي الأصول الروسية البالغة 210 مليارات يورو، إضافة إلى آلية تعويض في حال تعرض "يوروكلير" لخسائر داخل روسيا. كما أن أي حكم تصدره محكمة روسية ضد بلجيكا لن يُعترف به داخل الاتحاد الأوروبي. ولإغلاق باب المخاطر نهائيًا، يستعد السفراء لإقرار التجميد المفتوح للأصول الروسية بموجب المادة 122 التي تتيح اتخاذ إجراءات استثنائية عند وجود تهديد اقتصادي واضح.

قلق بلجيكي مستمر رغم التطمينات

مع ذلك، لا تزال بروكسل تشدد على ضرورة حماية مؤسساتها المالية من أي انعكاسات غير محسوبة. وتوضح أستاذة القانون المالي في جامعة لوفين، فيرلي كوليرت، أن اقتصاد بلجيكا صغير نسبيًا، إذ يبلغ ناتجه المحلي نحو 565 مليار يورو، ما يجعل احتمال تحملها خسائر محتملة بقيمة 185 مليار يورو أمرًا غير وارد. وترى كوليرت أن مطالبة "يوروكلير" بالمشاركة في القرض قد تخالف قواعد الاتحاد الأوروبي المتعلقة برأس المال والسيولة، كونها تُجبر المؤسسة على وضع معظم مخاطرها في سلة واحدة، ما يتعارض مع قواعد الحماية المصرفية ويفرض عبئًا إضافيًا على الدولة البلجيكية في حال حدوث أزمة.

سبع دول داخل الاتحاد، بينها دول مطلة على روسيا، تضغط على بروكسل لعدم إضاعة المزيد من الوقت، معتبرة أن تجميد الأصول "الخيار الأكثر واقعية" ماليًا وسياسيًا. ويحذر سياسيون أوروبيون من أن الفشل في اتخاذ القرار خلال أيام سيترك الاتحاد دون بدائل.

وتزداد الصورة تعقيدًا مع وجود مساعٍ أميركية موازية لإدراج الأصول الروسية في اتفاق سلام محتمل. وتشير نسخة أولية من خطة واشنطن إلى استخدام 100 مليار دولار من الأصول المجمدة لصندوق إعادة إعمار، مقابل أن تستفيد الولايات المتحدة من نصف الأرباح، فيما تضيف أوروبا 100 مليار دولار، على أن يستخدم الباقي في مشاريع مشتركة أمريكية–روسية.

ويؤكد مصدر أوروبي أن التجميد الدائم الذي قد يُقرّ يوم الجمعة سيجعل سحب الأموال شبه مستحيل من دون موافقة أغلبية دول الاتحاد، ما يعني أيضَا أن أي خطة أميركية مستقبلية ستحتاج دعمَا أوروبيَا واسعَا قد يكون مكلفَا للغاية.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech