عصر نقص البشر قادم.. ما الذي ينتظرنا مستقبلًا؟

نوفمبر ٢٦, ٢٠٢٥

شارك المقال

عصر نقص البشر قادم.. ما الذي ينتظرنا مستقبلًا؟

يواجه العالم اليوم مفارقة ديموغرافية غير مسبوقة، إذ تلوح في الأفق أزمة تتمثل في نقص البشر، : في الوقت الذي يتخوف فيه المجتمع العالمي من تحديات الزيادة السكانية التي أدت إلى مضاعفة عدد سكان العالم من 4 مليارات في عام 1975 إلى 8 مليارات حاليًا.

ويتوقع أن يبدأ عدد سكان الكوكب في التناقص بحلول عام 2084، مدفوعًا بتحسن مستويات المعيشة والتعليم، وليس بسبب الحرب أو الأوبئة.

ويشكل هذا التراجع الوشيك، الذي قد يؤدي إلى فقدان مليار شخص من عدد سكان العالم بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا هائلاً يهدد الرخاء العالمي ما لم يتم إيجاد حلول مبتكرة لنقص القوة العاملة.

مؤشرات نقص البشر في الاقتصادات الكبرى

تعد الخصوبة المنخفضة هي القوة الدافعة الرئيسة وراء أزمة نقص البشر العالمية، فقد انخفضت معدلات المواليد في معظم الدول الغنية والمتوسطة الدخل إلى ما دون مستوى الإحلال البالغ 2.1 طفل لكل امرأة، وهو المستوى اللازم للحفاظ على استقرار السكان.

وتوضح الأرقام حجم الأزمة في الاقتصادات الكبرى:

  • آسيا: تسجل كوريا الجنوبية أدنى معدل خصوبة عالميًا عند 0.8 طفل لكل امرأة، وتأتي الصين تاليًا بمعدل 1.2، واليابان بمعدل 1.3، وقد انخفض عدد السكان الصينيين بالفعل للعام الثالث على التوالي، بينما تستمر اليابان في انكماش عدد أطفالها للعام الرابع والأربعين على التوالي، وتشير التوقعات أن عدد سكانها سينخفض من 123.5 مليون نسمة إلى 88 مليونًا بحلول عام 2065.
  • الأمريكتان: تنخفض معدلات الخصوبة في الولايات المتحدة إلى 1.6 طفل لكل امرأة، وفي كندا إلى أدنى مستوى تاريخي عند 1.26 طفل لكل امرأة في عام 2023، ويُتوقع أن يؤدي هذا الانخفاض إلى ركود اقتصادي وانكماش في القوة العاملة مستقبلًا.
  • أوروبا: انخفض معدل الخصوبة في الاتحاد الأوروبي إلى مستويات قياسية، وأصبحت معظم الدول الأوروبية دون مستوى الإحلال (التوازن بين المواليد والوفيات)، ما يهدد بتراجع عدد سكان الاتحاد الأوروبي من 447 مليونًا إلى 419 مليونًا بحلول عام 2100، وقد ينخفض إلى 295 مليونًا في غياب الهجرة.

ويُظهر التراجع المستمر في تركيا هذا التوجه العالمي بوضوح، فقد انخفض معدل الخصوبة لديها من 2.38 طفل لكل امرأة في عام 2001 إلى 1.48 في عام 2024.

وتذهب التوقعات إلى أن عدد سكان تركيا سيبدأ في التناقص بعد الخمسينيات من هذا القرن، وقد ينخفض إلى ما دون 55 مليون نسمة بحلول عام 2100 في سيناريو الخصوبة المنخفضة.

وترسخ هذه الأرقام الفكرة القائلة بأن نقص البشر أكبر من مجرد مشكلة في الدول الغنية، بل هو اتجاه عالمي شامل.

الآثار الاقتصادية لأزمة نقص البشر

يشكل الانكماش السكاني تحديًا اقتصاديًا ضخمًا، إذ لطالما كان النمو السكاني هو الوقود الرئيس للنمو الاقتصادي على مدى القرون الماضية، ومع تضاؤل أعداد الشباب، ستواجه الاقتصادات نقصًا هائلاً في القوة العاملة، ما يهدد بحدوث ركود عالمي.

وتشير التوقعات إلى خسائر كارثية محتملة في القوة العاملة للدول الأكثر تضررًا:

  • من المتوقع أن تنخفض القوة العاملة في ألمانيا بمقدار الثلث.
  • ستنخفض هذه القوة بأكثر من النصف في إيطاليا وإسبانيا واليونان.
  • قد تفقد بولندا والبرتغال ورومانيا واليابان والصين ما يصل إلى ثلثي قوتها العاملة بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.

ويضرب هذا التحول يضرب الأنظمة الاجتماعية في الصميم، ففي تركيا، على سبيل المثال، حيث ستصل نسبة السكان بعمر 65 فما فوق إلى واحد من كل أربعة أشخاص بحلول عام 2050، ستواجه أنظمة الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ضغوطًا هائلة، حيث ستزداد الأمراض المزمنة المُكلفة، بينما تتدهور نسبة المساهمين والمستفيدين في نظام الضمان الاجتماعي، ما يفرض تحديًا حاسمًا على الاستدامة المالية.

وفي منطقة البلقان الغربي، التي تواجه بالفعل انكماشًا متوقعًا بنسبة 20% في القوة العاملة بحلول 2050، يخلق نقص البشر حلقة مفرغة، فبينما تعاني المنطقة من نقص في العمالة الماهرة في بعض القطاعات، تظل معدلات البطالة مرتفعة بين النساء والشباب، ما يدفع المزيد من العمال ذوي المهارات العالية للهجرة إلى الاتحاد الأوروبي بحثًا عن أجور أفضل، وهو ما يزيد من تآكل الحركة الاقتصادية.

التداعيات الجيوسياسية على الدول العظمى

يجب النظر إلى تراجع عدد سكان العالم في الدول الكبرى مثل الصين من منظور جيوسياسي لا يقتصر على الاقتصاد فحسب.

مع انكماش سكان الصين، ووصولها إلى ذروة السكان وبدئها في التناقص، من المتوقع أن تتأثر موازين القوى العالمية على المدى الطويل، إذ يمكن أن يؤثر انخفاض عدد السكان في سن العمل على قدرة الصين على الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، وهو ما يمثل ركيزة لقوتها العالمية الصاعدة.

وفي الوقت نفسه، يعتبر عامل الهجرة حاسمًا في تحديد موازين القوى المستقبلية، فبينما تعتمد الولايات المتحدة على الهجرة لتعويض انخفاض الخصوبة والحفاظ على قوة عاملة شابة نسبيًا، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديًا مزدوجًا يتمثل في الشيخوخة ونقص البشر، خاصة إذا استمرت سياسات "إغلاق الحدود" التي قد تؤدي إلى تراجع عدد سكان الاتحاد الأوروبي بعمر 65 فما فوق إلى 36% بحلول عام 2100 في غياب الهجرة.

سياسات إنقاذ العالم من نقص البشر

تسعى الحكومات في كل من آسيا وأوروبا والأمريكتين إلى إبطاء موجة نقص البشر عبر سياسات تحفيزية ضخمة.

في الولايات المتحدة، يطرح الرئيس دونالد ترامب خطة "مكافأة الطفل" بقيمة 5000 دولار كدفعة لمرة واحدة، إلى جانب محاولات لتشجيع الإنجاب ومنح "ميدالية الأمومة الوطنية" لمن لديهن ستة أطفال أو أكثر.

ويشكك الخبراء في المجال في جدوى هذا المبلغ، خاصة وأن تكاليف رعاية الطفل الواحد في الولايات المتحدة تتراوح بين 14,000 دولار و25,000 دولار سنويًا.

وفي أوروبا، يتم تخصيص مليارات اليوروهات في حوافز نقدية وإجازات أبوة مدفوعة وإعفاءات ضريبية.

ويرى باحثون أن المبالغ النقدية تخفف العبء مؤقتًا، ولكنها لا تعالج المشكلات العميقة مثل تكلفة السكن المرتفعة، وجودة رعاية الأطفال، والتحديات المتعلقة بالتوازن بين العمل والحياة.

ويرى البعض أن السياسات التي تشجع على المشاركة المتساوية للأبوين في الرعاية، مثل الإجازة الأبوية الإلزامية لكلا الوالدين، هي الأكثر فعالية لتمكين النساء وخلق بيئة عمل ملائمة للأسرة.

وبينما تبقى هذه الحوافز خطوة أولى ضرورية، فهي غير كافية ما لم تُدعم بإصلاحات اقتصادية واجتماعية شاملة تعالج بطالة الشباب، وارتفاع أسعار المنازل، وعدم اليقين بشأن المستقبل.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech