تشكّل رحلات الحج والعمرة من سوريا مناسبة للاحتفال بضيوف الرحمن بعد عودتهم إلى ديارهم، فالأمر يتجاوز مجرد الاستقبال إلى ممارسة طقوس وتقاليد عريقة تعكس روح الضيافة والكرم والتكاتف الاجتماعي العميق.
ويعتبر الاحتفال بقدوم الحجاج والمعتمرين جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري، حيث تبدأ التجهيزات قبل وصوله بأيام، لتحويل المنزل والحي إلى لوحة فنية تعبر عن الفرحة والامتنان.
الفن الشعبي يرحب بالعائدين من الحج والعمرة
تتميز هذه العادة القديمة بتزيين ودهان واجهة المنزل، ويشارك في هذا الفعل العائلي والجماعي الأهل والأصدقاء، مما يظهر تكاتف الجميع في الضيعة أو البلدة.
تتضمن الزينة رسومات على ورق أو أخشاب لشكل الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي، في إشارة رمزية إلى الأماكن المقدسة التي زارها الحاج.
كما تشمل الزينة كتابة عبارات دينية وأدعية بالدهان خارج البيت وعلى مدخله، مثل "حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا"، وتُستخدم جمل بسيطة مثل "الحج عرفة"، وتُخطط بألوان ورسومات لإعطاء جمالية لواجهة المنزل ومنح أهل البيت الفرحة.
تُكتب على الحوائط في بعض الأوقات آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الحج والعمرة، احتفاءً بالحاج والمعتمر.
عند وصول الحجاج سالمين، يستقبله الأهل والجيران في مشاهد من الفرحة العارمة، وتُوزع الحلويات، ويقوم الحجيج بتوزيع الهدايا التي جاؤوا بها من الديار المقدسة على الأصدقاء والأقارب.
ولا تكتمل فرحة العودة دون وليمة غداء كبيرة يدعى إليها الأهل والأقارب والجيران، لتبدأ بعدها مرحلة التهاني، إذ يُقبل الضيوف على الحاج حاملين التهاني والتبريكات بقدومه.
ويتحضّر أهل بيت الحاج لهذا الجزء تحديدًا، إذ يحرصون على تزيين البيت من الداخل وخروجه بأفضل صورة ممكنة لاستقبال الضيوف في هذا العرس الفريد.
قديمًا، كان أهل دمشق يستقبلون العائدين بمظاهر احتفائية تشمل العراضة الشامية وألعاب السيف والترس منذ دخول الحاج حارته وحتى وصوله لمنزله.
ومنذ زمن ليس بالبعيد أيضًا، كانت شجرة السرو تُزرع عند مدخل المنزل كعلامة على عودة الحاج، وهي عادة بدأت تتراجع في السنوات الأخيرة.
وتؤكد هذه التقاليد العريقة على المكانة الروحية والاجتماعية لرحلة الحج والعمرة في نفوس السوريين، وأنها مناسبة لجمع شمل القلوب وإظهار الوحدة والكرم.
