مؤخرًا، احتشد الجنود في غينيا مرتدين الزي العسكري حول طاولة لبث بيان يدينون فيه الرئيس ألفا كوندي مُدعين أنه لم يكن ليغادر منصبه بأي طريقة أخرى، ولا تعد هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها دولة في غرب أفريقيا إلى انقلاب عسكري، فتاريخ هذه المنطقةيعج بانقلابات عسكرية عديدة ربما تكشف لنا السيناريوهات المحتملة في الأسابيع المقبلة في غينيا، إعمالًا بقاعدة “التاريخ يعيد نفسه”
غينيا ومالي وجهان لعملة واحدة
بدأ الانقلاب الغيني بإطلاق نار بالقرب من القصر الرئاسي تمامًا مثل الانقلابات السابقة، وبعد ساعات، ظهرت مجموعة من الجنود غير المعروفين على التلفزيون الحكومي وأطلقوا على أنفسهم اسمًا فرنسيًا مختصرًا متحدثين عن مصالحة لكنهم لم يقدموا أي وعود بشأن المدة التي سيستغرقونها لتسليم السلطة إلى المدنيين، ليُلحق ذلك بمقطع فيديو للرئيس كوندي المخلوع في عهدة الجنود المتمردين.
لا يختلف الأمر كثيرًا عما حدث منذ ما يزيد قليلاً عن عام في مالي المجاورة، فهناك أيضًا قرر المجلس العسكري أن الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا قد تجاوز مدة الترحيب به على الرغم من أن فترته المنتخبة لم تكتمل بعد، وعلى الرغم من وعدهم بتنظيم انتخابات في غضون 18 شهرًا لإعادة البلاد إلى الحكم المدني، إلا أن هذا الهدف لم يتم تحقيقه.
هل سيُقبل الانقلاب؟
نشر التلفزيون الحكومي – الخاضع الآن لسيطرة المجلس العسكري – صورًا لمواطنين غينيين مبتهجين نزلوا إلى الشوارع لاستقبال القافلة العسكرية، لكن الاختبار الحقيقي يمكن أن يكون ما إذا كانت القوات الموالية للرئيس المخلوع ستقبل الانقلاب في نهاية المطاف أم أنها ستقوم بدلًا من ذلك بانقلاب مضاد.
[two-column]
تعرضت صناعة التعدين في غينيا لضربة من جائحة COVID-19، وفي ظل المخاوف المتعلقة بالاستقرار السياسي قد تعيد الشركات الأجنبية النظر في وجودها هناك، لذلك بذل زعماء المجلس العسكري في غينيا جهودًا كبيرة لطمأنة المجتمع الدولي بهدف الحفاظ على تدفق عائدات التعدين الأساسية للبلاد.
[/two-column]
كيف ستكون ردود الفعل؟
أدانت الكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا المعروفة باسم ECOWAS بالفعل الاستيلاء على السلطة، وقد أعرب الجميع من الولايات المتحدة إلى روسيا عن قلقهم بدرجات متفاوتة بشأن إلى أين يمكن أن يتجه كل هذا.
وعلى الجانب الآخر، عادة ما يعلق الاتحاد الأفريقي عضوية أي دولة بعد أي انقلاب، وفي غرب إفريقيا، لا تزال فرنسا المستعمرة السابقة تحمل الكثير من النفوذ الاقتصادي هناك، ويمكنها أيضًا فرض عقوبات، لكن في حالة مالي، تطلب الأمر في نهاية المطاف التهديد الإقليمي بالعقوبات الاقتصادية لحمل قادة الانقلاب على الموافقة على الحكومات الانتقالية في عامي 2012 و 2020.
وجدير بالذكر أن الكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا تعاني من مشاكل تتعلق بمصداقيتها، إذ لم يسمح فقط لكوندي بل أيضًا لرئيس ساحل العاج الحسن واتارا بالترشح لولاية ثالثة العام الماضي على الرغم من الخلاف الدستوري المطلوب.
كيف سينتهي الأمر؟
يزعم المجلس العسكري أنه يتصرف نيابة عن الشعب الغيني، ولكن هناك مخاوفًا بشأن ما إذا كان الحكم العسكري سيؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، إذ تأتي قوات الأمن في غينيا بسجل مشوه للغاية؛ ففي عام 2009 فتحوا النار على مجموعة من المتظاهرين كانوا يحتجون على خطط زعيم الانقلاب آنذاك موسى “داديس” كامارا للترشح للرئاسة والبقاء في السلطة. ولقي أكثر من 150 شخصًا مصرعهم وتعرضت ما لا يقل عن 100 امرأة للاغتصاب في ملعب لكرة القدم، وهي جرائم لم تُحاكم بعد في المحكمة بعد أكثر من عقد من الزمان.
مصدر قلق
يقول محللون إن مصدر القلق الأكبر قد يكون الرسالة التي سيوجهها الانقلاب هذا الأسبوع إلى زعماء غرب إفريقيا الآخرين الذين يسعون للبقاء في السلطة، فهناك مخاوف من أن تؤدي الانقلابات الأخيرة في مالي وغينيا إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة.
فحتى لو أجرت المجالس العسكرية الحاكمة في كلا البلدين انتخابات في نهاية المطاف، هل سيعيد القادة العسكريون ببساطة تسمية أنفسهم كمرشحين مدنيين؟ وفي الوقت الحالي، هناك قلق أكثر إلحاحًا في غينيا يتعلق بهذا السؤال: هل يعتقد الآخرون في الجيش أنه ينبغي عليهم تحديد مصير البلاد؟