أثار تحقيق صحفي لصحيفة “فايننشال تايمز” الكثير من الجدل حول دور العاصمة البريطانية لندن في جرائم غسل الأموال، وهو ليس الإشارة الأولى نحو هذا الملف الشائك.
أوضح التحقيق الصحفي أن العاصمة الإنجليزية أصبحت مركزًا للأموال القذرة”، إثر قوانين مليئة بالثغرات ورقابة شبه منعدمة، لكن “روائح هذه الجرائم فاحت” على وقع أزمة أوكرانيا.
وتابع أنه يعتقد أن الجزء الضخم من عمليات غسل الأموال تتم من خلال المصارف المتمركزة في المدينة، التي تعتبر من أبرز وجهات الراغبين بتبييض الأموال حول العالم.
يستغل تجار “الأموال القذرة” الثغرات القانونية في ظل ضعف الرقابة القانونية، وتقدر قيمة الأموال التي يجري تبييضها سنويا في بريطانيا، بين 23 و57 مليار جنيه إسترليني، وفق توقعات منظمات مدنية معنية بمكافحة الفساد.
صديق بوتين.. بريطانيون يحتلون قصر ملياردير روسي في لندن
بعد حادث بورصة لندن للمعادن.. أشهر انقطاعات الكهرباء في التاريخ
ما مستقبل حي المال في لندن بعد كورونا؟
الجريمة الاقتصادية
قبل التحقيق، كشفت دراسة أجراها الباحث أولفر بيننت، لصالح البرلمان البريطاني، أن “الحجم الدقيق للجريمة الاقتصادية في المملكة المتحدة غير معروف، ولكن يمكن أن يصل إلى عشرات أو مئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية سنويًا”.
ذكرت الدراسة أيضا “قاد حجم هذه الجرائم- التي تشمل غسل الأموال والاحتيال والفساد- لجنة الاستخبارات والأمن للقول في تقريرها الصادر في يوليو 2020، إن لندن تعتبر (مغسلة) للأموال الفاسدة”.
إعادة تدوير
أفاد تقرير لجنة الاستخبارات والأمن أن إجراءات الحكومة المحدودة لمواجهة هذا الوضع، أتت بنتائج عكسية، وظلت الوسائل المثالية التي يمكن من خلالها إعادة تدوير التمويل غير المشروع من “مغسلة لندن”، تم استثمار الأموال بعد ذلك في بناء النفوذ عبر نطاق واسع من المؤسسة البريطانية، مثل شركات العلاقات العامة والجمعيات الخيرية والمؤسسات الأكاديمية والثقافية، مما حرك عملية “غسل سمعة” موازية لغسل الأموال.
كما أدى وصول الأموال الروسية إلى لندن، لنمو ما يعرف بـ”صناعة العناصر التمكينية”؛ الأفراد والمنظمات الذين يديرون أموال ومصالح النخبة الروسية في المملكة المتحدة، وفق تقرير لجنة الاستخبارات.
وأردف التقرير: “لعب المحامون والمحاسبون ووكلاء العقارات وخبراء العلاقات العامة في لندن، دورًا، عن قصد أو عن غير قصد، في بسط النفوذ الروسي الذي غالبًا ما يرتبط بتعزيز مصالح الدولة الروسية”، مضيفا “تطورت صناعة أمنية خاصة كبيرة في المملكة المتحدة لخدمة احتياجات النخبة الروسية، حيث تحمي الشركات الأمنية البريطانية الأوليغارشية وعائلاتهم، وفي بعض الأحيان تساعد في غسيل الأموال من خلال شركات وهمية خارجية”.
غسل الثروة الفاسدة
سلط تقرير لمنظمة الشفافية الدولية (TI) في أكتوبر 2019 الضوء على الأنواع المختلفة من “الأنشطة التمكينية” التي تقوم بها الشركات في المملكة المتحدة، والتي يمكن أن تساعد المجرمين على غسل الثروة الفاسدة في لندن.
تتمثل هذه الأنشطة في المعاملات المصرفية، وتكوين الشركات وإدارتها، والمعاملات العقارية وإدارة نمط الحياة مثل المساعدة في الحصول على تأشيرات المملكة المتحدة أو الجنسية، وفق ما نقلته الدارسة عن التقرير.
وأخبر مدير قسم لندن للأبحاث في منظمة الشفافية الدولية، نايك ماكسويل، في تصريحات لفايننشال تايمز، بأن كل عمليات تبييض الأموال الدولية، تجري في قطاع المساكن الفارهة، مشيرا إلى إمكانية تبييض كمية كبيرة من الأموال دفعة واحدة بسهولة، من خلال الاستثمار في هذا القطاع.
وتشكل العقارات في مناطق وسط لندن مثل مدينة وستمنستر وكينسينجتون وتشيلسي جزءًا كبيرًا من هذه القيمة.
حكومة لا تبالي
خلص تقرير المتابعة الصادر عن لجنة الخزانة في البرلمان في فبراير 2022 إلى أن الحكومة ما زالت لا تعطي الأولوية للجريمة الاقتصادية بشكل كافٍ، وخاصة غسيل الأموال، وفق ما نقلته الدراسة.
السبب في ذلك هو افتقاد بريطانيا لقواعد عملية وواضحة، رغم كونها مركزا ماليا منفتحا، في ظل غياب القدرة على التحقق من المعلومات والمعطيات الخاطئة وإزالتها من السجل.
ووفق الدراسة، فإن الأجهزة الأمنية النشطة في مكافحة الجرائم المالية، لا تملك الإمكانيات اللازمة لتتبع الكم الهائل من جرائم غسيل الأموال في لندن.
وذكرت الدراسة: “تتابع المملكة المتحدة بقوة التحقيقات والملاحقات القضائية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتحقق 1400 إدانة كل عام بتهمة غسل الأموال”.
وقالت: “تمتلك سلطات إنفاذ القانون في المملكة المتحدة أدوات قوية للحصول على المعلومات، بما في ذلك من خلال الشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة الجيدة من هذه المعلومات في تحقيقاتها”.
وأوضحت “لكن تحتاج وحدة الاستخبارات المالية في المملكة المتحدة إلى زيادة كبيرة في مواردها ويحتاج نظام الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة إلى التحديث والإصلاح”.
واختتمت “هناك حاجة إلى إصلاح شامل لكيفية الإشراف على معايير غسل الأموال في القطاع الخاص، والإصلاح يشمل المستويات المنخفضة من العقوبات ضد أولئك الذين يتبين أن لديهم أنظمة ضعيفة للدفاع ضد الأموال القذرة”.