في صبيحة يوم 1 فبراير عام 1979م، كان الشاه محمد رضا بهلوي مُحملا بأطياف الأسى، يستعد لصعود الطائرة راحلا عن إيران، إثر ثورة عارمة، بينما حطت طائرة أخرى فرنسية تقل المرجع الإيراني روح الخميني، لينتقل معه هذا البلد إلى مرحلة جديدة لم يكن يتخيلها أحد تحت مسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وبعد مضي 43 عاماً على إعلان تأسيس جمهورية إيران الإسلامية في 1 أبريل عام 1979، لا تزال تترد أصداء إطاحته برفقائه الثورة الإيرانية الذين ساندوه ضد نظام الشاه، فمن هو الخميني؟ وكيف دبّر مصيدته السياسية ضد اليساريين والليبراليين؟.
نزعة الانتقام
وُلد روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني في الـ24 من سبتمبر عام 1902، في مدينة خمين وسط إيران، لعائلة معارضة لنظام الشاه، حيث قُتل والده، على يد مسلحين يُعتقد أنهم كانوا مدعومين من حكومة الشاه، بينما كان الخميني ابن الـ5 أشهر حينذاك ليشب على نزعة الانتقام من نظام الشاه، تلك النزعة التي كان لها بالغ الأثر لاحقاً في توجهات الخميني ضد خصومه السياسيين التي لم تخلو من العنف واجتثاث الآخر.
وترسخت النزعة الانتقامية عند الخميني، بعدما أوجد لها بُعداً فكرياً، من خلال تعاليمه الدينية، حيث درس اللغة العربية والفلسفة والمنطق والأصول الفقهية في المذهب الشيعي الإثنى عشري، حتى بات مرجعاً دينياً وهو بعمر الـ 27 عاماً.
رفقاء الثورة
بحلول عام 1979، كانت أشرطة الكاسيت التي تحوي خطب الخميني الثائرة ضد الشاه، قد انتشرت في أرجاء إيران، مُسببة سخطاً شعبياً كبيراً جراء ما كانت تحض عليه من ثورة ضد التبعية للغرب وانحلال المجتمع وفق وجهة نظر الخميني.
لكن هذه الخطب لم تكن وحدها الفتيل الذي أشعل الثورة ضد الشاه، بل شاركتها طائفة واسعة من المعارضة الإيرانية من الليبراليين واليساريين، فضلاً عن منظمة مجاهدي خلق التي تأسست عام 1965م، على أيدي مثقفي البلاد المطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية.
وفي هذه الأثناء طمأن الخميني جميع رفقاء الثورة بوعود براقة من منفاه في العاصمة الفرنسية باريس، ومنها: «لن نجعلكم تزدهرون في حياتكم الدنيوية فحسب، وإنما كذلك الروحية. أنتم بحاجة للحياة الروحية، لكنهم جردونا منها. إننا لن نوفر لكم فقط خدمات مياه وكهرباء مجانية ونبني لكم منازل ونوفر مواصلات مجانية للطبقات المحتاجة، وإنما سنعمل كذلك على الارتقاء بكم كبشر».
تبخر الوعود
بعد اشتعال الثورة الإيرانية التي نصبّت الخميني زعيماً دينياً للبلاد، سرعان ما انهارت وعوده الباريسية بخيانة مبادئ الثورة، من خلال شروعه في الإطاحة بكل رفقاءه من السياسيين، حتى باتت مصائرهم جميعاً ما بين الإعدام أو الموت في السجون او الهرب خارج إيران.
وكان أول رئيس منتخب للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أبو الحسن بني صدر، الذي رافق الخميني في طائرته الباريسية أثناء عودته إلى طهران، من بين مذبحة السياسيين التي مارسها الخميني، إذ اضطر بني صدر لترك منصبه والهروب من البلاد، حيث يعيش اليوم في باريس.
وتوالى بعد ذلك، سقوط العديد من رفقاء الخميني في الثورة، حتى أصبح الشعار السائد حينها، هو:” الثورة تأكل أبناءها”، من بينهم حسن لاهوتي أشكوري، الذي كان مقرباً من الخميني، وبمجرد ان اختلف معه بشأن بعض آليات القيادة، اقتيد إلى السجن، وتوفي فيه، بعد أيام معدودة، حيث قالت عائلته إنه مات مسموماً.
أما وزير خارجية إيران بعد الثورة، صادق قطب زاده، فقد أعدم في سبتمبر عام 1982، بتهمة التآمر لاغتيال الخميني وإسقاط النظام، فيما تعرض داريوش فورهر، رفيق الخميني في الطائرة أيضاً، للاغتيال مع زوجته على أيدي أتباع الخميني عام 1998، على يد من وصفوا بالعناصر المراقة من الاستخبارات الإيرانية، بعدما رفض تشكيل حكومة ثيوقراطية -مشكلة من رجال الدين وتتبع تعاليم الخميني-.
ولاية الفقيه وتصفية المعارضين
واجه الخميني، المعارضة السياسية لممارساته بتأسيس “نظرية ولاية الفقيه”، ومنحها بُعداً دينياً على الرغم من انها نتاج بنيته العقلية وتخالف التيارات الدينية الأخرى مثل الشيرازية والإخبارية، لتصبح تلك النظرية هي العمود الفقري للنظام الديني والسياسي في الجمهورية الوليدة، ما مكن الخميني وأتباعه من الهيمنة على جميع مؤسسات الدولة سواء السياسية والاقتصادية أو الحوزوية والفقهية في مدينتي “قم” و”مشهد”.
واستغل الخميني، الشرعية التي أوجدها لنظرية الولي الفقيه، في إصدار أحكام بالإعدام ضد آلاف السياسيين بينهم رفقاء له في أعقاب ثورة 1979م، لكن المجزرة الاكثر بشاعة كانت في عام 1988، حين أصدر فتوى بإبادة من وصفهم بـ”اعداء الله”، والتي أدت -حسب إحصاءات إيرانية- إلى مقتل نحو 30 ألف معتقل، غالبيتهم من منظمة مجاهدي خلق.
وأدت ممارسات الخميني القمعية إلى دفع المرجع الديني محمد كاظم الحسيني الشريعتمداري، لمعارضتها حينذاك، قائلاً:”حكومة الشعب هي السلطة التي يقر بها الإسلام، والديكتاتورية تعيد البلاد إلى عهد النظام الطاغوتي السابق، وأنّ ولاية الفقيه تسلب الناس صلاحياتهم واختياراتهم، كما تناقض كل الأصول التي تعطي الناس حقّ الانتخاب، لذلك، لا بدّ من إصلاحه ورفع هذا الإشكال”. وجرى اعتقال شريعتمداري، عام 1982، بتهم عديدة، بينها التخطيط لقلب نظام الخميني، فوضع تحت الإقامة الجبرية، حتى مات بعدها بـ6 أعوام، إثر مرض ألمّ به، ودُفن ليلاً، في ظروف صعبة.
لتظل إيران منذ ذلك الوقت، ترزح تحت حكم ولاية الفقيه المدعومة بالحرس الثوري الإيراني ومليشيات الباسيج الشعبية الداخلية التي تكتم أنفاس الإيرانيين وتمنعهم من البوح بآلامهم أو احتياجاتهم منتظرين بارقة امل لغد افضل.