حين يصبح العقوق وخيانة الأوطان ديناً لصناديد التطرف، فيرون صكوك اللعنة أنها نصر وغفران، ليُغرروا بالشباب ويحولوهم إلى آلات عنف تستبيح القتل بدم بارد، وتمارس التخريب وتحرف الآيات البريئة منهم، فيسوقونهم باسم الدين إلى الانتحار والهلاك والخيانة.. إنها قصة الشقيقين السعوديين المنتميين إلى تنظيم داعش الإرهابي، أحمد ومحمد ابني سعيد الزهراني، والمُنفَّذ بحقهما حكم الإعدام ضمن 81 مداناً بقضايا إرهابية في المملكة العربية السعودية.
كان الشقيقان يعيشان حياة طبيعية مثل غيرهما، ينتميان إلى أسرة من الطبقة المتوسطة، لأب يعمل قاضياً في وزارة العدل السعودية، كان يحلم أن يرى ابنيه في أرقى المناصب في وطن يغدق على أبنائه بفرص العمل والعيش الرغيد، قبل أن يتبدّل حالهما إلى الشتات والضياع حين وقعا عام 2015م، في شباك التجنيد بتنظيم داعش، وذلك عبر شبكة الإنترنت، من خلال أحد السعوديين المنتمين إلى التنظيم في الخارج، وكانا على علاقة به أثناء إقامته في السعودية، إذ تمكن من التغرير بهما باسم الدين وأباطيل زائفة تزعم أن العمل لمصلحة داعش داخل السعودية “فرض عين”.
وبدلاً من أن يتهيأ الشقيقان على مقاعد الدراسة الجامعية ليكونا عنصرين نافعين لنفسيهما وأسرتهما وبلدهما، ساقتهما مخططات الفئات الضالة إلى مستنقع الهلاك بمواقع تنظيم داعش في سوريا، وذلك من دون إذن والدهما المكلوم الذي ما إن علم بوجودهما هناك بعد تلقيه اتصالاً من أحدهما، حتى حاول إقناعهما بالعودة إلى السعودية، لكن الوقت قد فات، وسرت سموم داعش في عقلي الشابين لتُحولهما إلى أرواح غافلة لا تستجيب لتوسلات الأب الحزين، ولا ترى سوى ما يراه التنظيم من وصاية على البشر وتخريب للأوطان.
أصبح الأب المصدوم أمام واقع صعب، فوظيفته تحتم عليه أداء واجبه تجاه الدين والوطن حتى لو كان الجاني هما فلذتي كبده، فلبى نداء الواجب مُتسلحاً بالإيمان بالله تعالى، ومُسطراً أسمى معاني التضحية والفداء والوطنية، فقدم بلاغاً إلى الجهات الأمنية السعودية، وأسهم في وضع اسمي ابنيه تحت المراقبة الحدودية في المطارات والمنافذ البرية.
في مستنقعات داعش بمحافظة الرقة السورية، حُمل الشابان بمخزون هائل من الكراهية للوطن وللمجتمع، فهناك تدربا لمدة شهرين على استعمال الأسلحة، وصنع المتفجرات، بيد أن أجهزة الأمن لم تلقِ القبض عليهما فور دخولهما إلى المملكة، بل ظلت تتعقبهما وتراقب تحركاتهما واتصالاتهما، لجمع المعلومات عن الخلية الإرهابية التي يتبعانها داخل البلاد.
وفي السعودية، تَزود الشقيقان بمبالغ مالية طائلة، إضافة إلى أسلحة ومتفجرات وقنابل يدوية من أحد عناصر التنظيم في البلاد، عبر تنسيق متبادل مع قيادات في تنظيم داعش في سوريا، بهدف تفجير عدد من المساجد، واستهداف رجال أمن ومنشآت حيوية، عبر ما يسمى “الذئاب المنفردة”، وهي منهجية يتبعها التنظيم، من خلال قيام أفراده بهجمات إرهابية في شكل منفرد.
وما إن حانت اللحظة المناسبة، حتى أعلنت وزارة الداخلية السعودية القبض على الشقيقين في حي المونسية، شرق العاصمة السعودية الرياض، ضمن خلية لتنظيم داعش انتشرت بين الرياض ومحافظة ضرما جنوب الرياض، وذلك في عمليتين أمنيتين نفذتهما الوزارة، لينتهي مصيرهما بالإعدام، بينما تظل قصتهما أنموذجاً للضياع والهلاك الذي تمارسه الفئات الضالة لاستهداف الأوطان في عقيدتها وأمنها ولحمتها الوطنية.
بعد مقتله في غارة أمريكية.. من هو أبو إبراهيم القرشي زعيم داعش؟
بعد مقتل زعيم «داعش في الصحراء الكبرى».. ما هي جرائم «أبو وليد الصحراوي»؟
شعب بلا دولة.. رحلة الأكراد في 100 عام بحثاً عن الحكم الذاتي