علوم

لماذا التثاؤب معدٍ؟

التثاؤب

عندما ترى أو تسمع شخصًا يتثاءب، فإنك غالبًا ما تشعر برغبة في التثاؤب أيضًا. وهذه الظاهرة لا تقتصر على البشر فقط، بل تمتد إلى بعض الحيوانات أيضًا.

يفسر الدكتور تشارلز سويت، الطبيب النفسي المعتمد والمستشار الطبي في شركة “لينير هيلث”، بأن الخلايا العصبية العاكسة في الدماغ قد تكون وراء هذه الظاهرة.

وأوضح أن هذه الخلايا تستجيب للأفعال التي نلاحظها في الآخرين، مما يفسر كيف يمكن أن ينتقل التثاؤب من شخص لآخر؛ فعندما ترى شخصًا يتثاءب، تنشط الخلايا العصبية في دماغك، وقد تكون هذه الآلية العصبية هي السبب وراء انتشار التثاؤب بسهولة داخل المجموعات الاجتماعية.

الحيوانات أكثر عُرضة

أظهرت الأبحاث أيضًا أن الأشخاص والحيوانات أكثر عرضة للتثاؤب استجابة لتثاؤب الأفراد الذين يعرفونهم مقارنة بالغرباء أو المعارف.

ففي دراسة أُجريت عام 2013، ثبت أن الكلاب تتثاءب بشكل أكثر تكرارًا عندما ترى مالكها يتثاءب مقارنة بمشاهدتها شخصًا غريبًا يتثاءب.

يقول أندرو جالوب، أستاذ البيولوجيا السلوكية في جامعة جونز هوبكنز، إن هذه الظاهرة تعرف باسم “تحيز الألفة”، وقد تكون مدفوعة بتوجهات الانتباه، كما حيث يميل الأفراد إلى الانتباه بشكل أكبر لأولئك في دوائرهم الاجتماعية.

وأضاف أن، إحدى الفرضيات تقول إن التثاؤب المعدي تطور كطريقة لتحفيز المجموعات على الانتباه للأخطار والتهديدات المحيطة. أي أنه عند انتشار التثاؤب بين أفراد المجموعة، قد يساعد ذلك في زيادة وعيهم بالتهديدات.

التثاؤب يساعد في خفض حرارة الدماغ

في دراسة أُجريت عام 2007 ونُشرت في مجلة “علم النفس التطوري”، اكتشف جالوب وزملاؤه أن التثاؤب يساعد في خفض حرارة الدماغ، وقد يؤدي هذا التأثير المبرد إلى تحسين اليقظة وكفاءة معالجة المعلومات لدى الشخص المتثائب، إذا انتشر التثاؤب ضمن مجموعة، فقد يساعد في تعزيز وعي المجموعة بالتهديدات، كما اقترح الفريق.

أظهرت أبحاث أكثر حداثة أجراها جالوب على البشر أن مجرد رؤية الآخرين يتثاءبون يمكن أن تحسن قدرة الفرد على اكتشاف التهديدات، مما يدعم الفكرة القائلة بأن التثاؤب المعدي يزيد من مستويات اليقظة داخل المجموعة.

وأوضح غالوب، أن هناك فرضية أخرى مفادها أن التثاؤب المعدي تطور للحفاظ على تناغم المجموعات. يتبع التثاؤب إيقاعًا يوميًا طبيعيًا، وغالبًا ما يشير إلى انتقالات بين الأنشطة. لذا، عندما ينتشر التثاؤب داخل مجموعة، فقد يساعد على مواءمة أنماط النشاط والسلوك.

دراسة حديثة

يدعم هذه الفرضية دراسة حديثة على الأسود البرية في إفريقيا (Panthera leo) لاحظ الباحثون تثاؤب 19 أسدًا في مجموعتين اجتماعيتين وراقبوا العلاقة بين انتقال التثاؤب والتزامن الحركي – عندما يظهر الأفراد نفس التغيرات في السلوك.

كانت النتائج مذهلة: الأسود التي “أصيبت” بتثاؤب من أسد آخر كانت أكثر احتمالًا بــ11 مرة لمضاهاة حركات الأسد الذي تثاءب أولًا، مقارنةً مع الأسود التي لم “تصب” بالتثاؤب.

ليس الجميع عرضة بنفس القدر للتثاؤب المعدي. في الدراسات المنضبطة، يثاءب حوالي 40% إلى 60% من المتطوعين النموذجيين استجابة لمشاهدة شخص آخر يتثاءب في فيديو.

أحد الأسئلة الرئيسية في البحث هو ما إذا كان التثاؤب المعدي مرتبطًا بالتعاطف. هناك العديد من الدراسات، لكن النتائج كانت متباينة.

وقال جالوب: “بعض الدراسات وجدت اتصالات متوقعة، بينما فشلت أخرى في إثبات مثل هذه العلاقة”.

على الرغم من أن الأبحاث المبكرة أشارت إلى أن الأطفال المصابين بالتوحد كانوا أقل عرضة للتثاؤب المعدي مقارنة بالأطفال غير المصابين بالتوحد، فقد أظهرت دراسة لاحقة أنه عندما طُلب من المشاركين التركيز بشكل صريح على المحفزات التي تحفز التثاؤب، اختفى هذا الفرق، إذ يلعب الانتباه دورًا رئيسيًا في انتقال التثاؤب.

إحدى الاكتشافات الأكثر اتساقًا هي العلاقة السلبية بين التثاؤب المعدي والسيكوباتية. “الأفراد الذين يحصلون على درجات أعلى في مقاييس السمات السيكوباتية يميلون إلى أن يكونوا أقل عرضة للتثاؤب المعدي”.

وأكد سويت: “التثاؤب المعدي ليس مرتبطًا بالتعب بقدر ما هو مرتبط بالاتصال، إنه الطريقة الهادئة لدماغك في التزامن مع الأشخاص (وأحيانًا الحيوانات الأليفة) من حولك”.