علوم

كيف تتلاعب الرسائل الخفية في وسائل الإعلام بعقولنا؟

كيف تتحكم الرسائل الخفية في وسائل الإعلام بعقولنا؟

مع تزايد المساحة التي تشغلها وسائل الإعلام في حياتنا اليومية، ابتعد دورها من مجرد وسائل للترفيه والإعلان إلى أدوات قوية للتأثير في عقلنا الباطن عن طريق الرسال المبطنة التي تحملها، بجانب استغلال التقنيات المتطورة لتشكيل إدراكنا.

ومع طفرة التطور التقني باتت القدرة على التحكم بالعقول البشرية أعلى من خلال الأدوات التي تساعد على قراءة الموجات المغناطيسية للمخ وردود الأفعال الحسية قبل حدوثها، وهو ما ساعد بشكل أكبر على توجيه البشر نحو أفكار بعينها من خلال رسائل مبطنة في وسائل الإعلام عبر الشاشات بأنواعها.

صناعة برمجة العقل الباطن

يخضع تأثر العقل الباطن للمحفزات الخارجية التي يتضمنها المحتوى المقدم في التليفزيون والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ويقوم بمعالجة تلك المعلومات خارج وعينا. هذا لا يعني أننا لا نملك السيطرة عليه ولكن ربما لا يمكننا معرفة مستوى السيطرة الذي نملكه. والأمر المؤكد هو أننا لا يمكننا ببساطة تجاهل الرسائل المقدمة في محتوى ما على أساس أنه غير حقيقي، لأن العقل الباطن ليس لديه القدرة على التفريق بين ما هو واقعي وما هو غير واقعي، والدليل على ذلك التغيرات الفيزيائية التي تحدث في الجسم عند مشاهدة فيلم رعب كمثال، من ارتفاع معدل ضربات القلب والتعرق.

وهذه المؤثرات تخلق تفاعلًا كيميائيًا في الدماغ وترسل إشارات إلى الجسم كله استجابة لذلك، وهو ما يعني أن العقل يستجيب للمؤثرات السمعية والبصرية دون تمييز ما هو كاذب وما هو حقيقي منها.

ولكن هل يعني ذلك أنه لا يمكن حماية عقلنا الباطن؟

هناك طريقة واحدة تمكننا من حماية عقلنا الباطن وهي “التحكم ببيئتنا”، ففي حين أنه لا يمكن التحكم فيما يدخل عقلنا الباطن، إلا أننا يمكننا انتقاء ما نتعرض له عن طريق الوسائط المختلفة وابتعاد الوسائط التي تتحكم في عقولنا دون سيطرة منا مثل التليفزيون الذي يقدم البرامج والإعلانات والأفلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

ومع تقليل التعرض لما يسمى “البرمجة اللاواعية” للعقول من خلال التليفزيون، يمكن تجنيب التلاعب بأدمغتنا وإدراكنا إلى حد كبير. من ناحية أخرى يلعب الفهم الجيد للرسائل المبطنة في وسائل الإعلام دورًا كبيرًا لتجنب برمجة عقولنا إلى جانب عكس التقنيات المستخدمة من قِبل المعلنين وصناع الأفلام واستخدامها لتطوير عقولنا وتنمية شخصيتنا.

وكمثال، يمكن أن يؤدي إجبار تعرض الذات إلى محتوى إيجابي ومبهج أو اللجوء إلى ممارسات التأمل والتخيل إلى إعادة برمجة العقل الباطن بشكل فعال. وهذه البرمجة تمنح المزيد من القدرة للعقل الباطن على الاتساق مع السلوكيات والقيم الواعية، وبالتالي السيطرة على أفكارنا وسلوكياتنا، كما تساهم تلك المعرفة في حمايتنا من التأثيرات الخارجية غير المرغوبة.

الرسائل الخفية عبر الشاشات

وفق الأبحاث، فإن مشاهدة التليفزيون تضع العقل في حالة استرخاء أشبه بالغيبوبة، إذ تحول الموجات الدماغية من الحالة بيتا المتيقظة إلى حالة ألفا، وينتج هذا التأثير عن التعرض لوميض 60 هرتز من شاشة التليفزيون، وفي تلك الحالة يكون العقل أقل قدرة على النقد والتحليل وأسهل تأثرًا بالرسائل المبطنة في الإعلانات ومحتوى التليفزيون والوسائل الأخرى، بعيدًا عن الفلاتر الواعية التي يمكنها غربلة تلك الرسائل وتشكك في المعلومات.

وأدرك المعلنون هذه الحالة وتمكنوا من استغلالها لتقديم رسائلهم بشكل خفي وتجاوز الحواجز العقلانية الموجودة في الدماغ البشري، ويساعد في ذلك استخدام الصور والموسيقى في الإعلانات للتأثير في عواطف المتلقين والتلاعب بقرارات الشراء الخاصة بهم نحو علامة تجارية معينة دون إدراك من المستهلك. كما يستخدم صناع الأفلام ومنتجو البرامج التلفزيونية الإشارات البصرية والسمعية لتوجيه مشاعر المشاهدين ومعتقداتهم بشكل خفي، وكمثال يمكن من خلال التركيز على شخصية معينة وكسب التعاطف معها توجيه الرأي العام نحو قضية ما أو موضوع بشكل إيجابي أو سلبي.

وهناك تقنية أخرى يلجأ إليها المعلنون وهي التكرار والتي تساهم في غرس الرسائل في عقل المتلقي الباطن، كما أن هذه المعلومات تكون أكثر قابلية للاسترجاع والتذكر وبمرور الوقت قد تصبح أكثر رسوخًا في العقل ما يؤثر على قراراته وسلوكه دون وعي. ولكن هذه التقنيات المستخدمة في أغراض التسويق تثير العديد من التساؤلات حول مدى أخلاقيتها بسبب التلاعب ولسيطرة على العقول، وتُشير إلى أهمية أن يكون المستهلكون على دراية بها لتجنب تأثيراتها.

اقرأ أيضًا: كلمة 2024.. «تدهور الدماغ» عن تأثيرات العصر الرقمي على العقل البشري