بعد سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية، نجح البرلمان اللبناني أخيرًا في انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، ليكون هذا الانتصار السياسي الأول منذ عام 2022. جاء هذا التطور بعد 12 محاولة فاشلة، مما أعطى بصيص أمل في إمكانية كسر الجمود السياسي الذي طال أمده، فما هي الملفات التي تنتظر عون بعد توليه منصب الرئاسة في هذا البلد الذي يستلزم الكثير من العمل والجهد؟
تحديات أمام التعافي الاقتصادي
يعاني لبنان منذ عام 2019 من انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق، تفاقم مع الأزمة السياسية المستمرة. ومع انتخاب جوزيف عون، يرى المحللون أن هذه الخطوة تعد أولى خطوات التعافي، لكنها ليست سوى بداية طريق طويل ومعقد. السندات الحكومية اللبنانية، التي كانت في حالة تخلف عن السداد منذ عام 2020، شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، حيث تضاعفت قيمتها ثلاث مرات منذ سبتمبر. هذا الانتعاش يعكس التفاؤل النسبي بشأن إمكانية تحقيق إصلاحات اقتصادية وتأمين دعم دولي.
موقف جوزيف عون من إسرائيل
في كلمته أمام مجلس النواب عقب أدائه القسم، دعا الرئيس جوزيف عون إلى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة تمكّن الدولة من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وردع العدوان. وأكد حق الدولة في احتكار حمل السلاح، مشددًا على دور القوات المسلحة في حماية سيادة لبنان. كما تعهد بإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء العدوان الإسرائيلي في الجنوب والبقاع والضاحية.
صفحة جديدة للبنان مع سوريا
من ناحية أخرى، أشار الرئيس عون إلى إمكانية فتح صفحة جديدة مع سوريا من خلال حوار جاد يهدف إلى تحسين العلاقات الثنائية، ما يعكس توجهاً نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل هذا الاضطراب الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد، وتولي القيادة الجديدة حكم سوريا.
دور حزب الله والتحديات السياسية لجوزيف عون
على الرغم من تراجع قدراته العسكرية الإقليمية، لا يزال حزب الله لاعبًا سياسيًا رئيسيًا في لبنان. أشار محللون إلى أن لقاءً جمع بين جوزيف عون ونواب حزب الله وحركة أمل كان ضروريًا للحصول على الدعم البرلماني اللازم لتأمين فوزه في الجولة الثانية من التصويت. هذا الوضع يعكس التحدي المستمر الذي ستواجهه الحكومة المقبلة في الحفاظ على دعم الأغلبية البرلمانية لتحقيق إصلاحات اقتصادية وسياسية شاملة.
الدعم الإقليمي والدولي للبنان والعلاقة مع الخليج
مع وجود دعم اقتصادي محتمل من السعودية، الإمارات، فرنسا، والولايات المتحدة، تبدو فرص لبنان للحصول على مساعدات دولية أكثر وضوحًا. هذه المساعدات قد تكون حاسمة في مواجهة التحديات الاقتصادية وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة جراء الأزمات الأخيرة. ومع ذلك، فإن تحقيق إصلاحات فعلية في النظام المصرفي والتعاون مع صندوق النقد الدولي يتطلب توافقًا سياسيًا قويًا.
التحديات المستقبلية أمام جوزيف عون
يتعين على جوزيف عون الآن تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة تحظى بدعم البرلمان، وهي مهمة ليست بالسهلة في ظل تعقيدات المشهد السياسي. يقول المحلل حسن مالك: “انتخاب عون هو الخطوة الأولى على طريق طويل للغاية”. وأضاف أن “العملية الانتخابية أظهرت استمرار النفوذ السياسي لحزب الله، مما يعرض أي رئيس وزراء وحكومة مستقبلية لمخاطر كبيرة في كسب ثقة البرلمان.”
الطريق نحو الإصلاح في لبنان
يتطلب لبنان إصلاحات هيكلية شاملة تشمل محاربة الفساد، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحقيق الشفافية المالية. كما أن إعادة بناء ثقة المجتمع الدولي شرط أساسي للحصول على المساعدات اللازمة. ومع استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية، يبقى نجاح هذه الجهود مرهونًا بإرادة الأطراف الفاعلة في تحقيق تغيير حقيقي.
أخيرًا
يمثل انتخاب جوزيف عون بداية جديدة للبنان في ظل ظروف صعبة، إلا أن نجاح هذه المرحلة يعتمد على قدرة القيادة الجديدة على تحقيق توافق داخلي، واستغلال الدعم الدولي لإطلاق إصلاحات جذرية تضع البلاد على طريق التعافي.