بلغ الدين العام العالمي في عام 2024 مستوى غير مسبوق، حيث وصل إلى 102 تريليون دولار، مع زيادة تقدر بـ 5 تريليونات دولار مقارنة بالعام السابق.
وتصدرت أمريكا والصين واليابان قائمة الدول المساهمة في هذا الرقم الضخم، ما يعكس واقعًا اقتصاديًا معقدًا.
ورغم هذه الأرقام الهائلة، فإن الدين العام لا يبدو أنه سيقف عند هذا الحد، فمع تزايد الضغوط الاقتصادية، يتوقع الخبراء أن يشهد العقد القادم ارتفاعًا أكبر في حجم الديون الحكومية، نتيجة لعدة عوامل متشابكة، أبرزها السياسات الحكومية غير القادرة على التعامل مع المخاطر المالية في ظل الزيادة الكبيرة في أعداد السكان المتقدمين في السن وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، بالإضافة إلى أن تزايد التوترات الجيوسياسية قد يقود إلى زيادة الإنفاق العسكري، مما يشكل عبئًا إضافيًا على ميزانيات الدول الكبرى.
الدول الكبرى تلتهم الديون
تأتي الولايات المتحدة، في صدارة الدول صاحبة الديون، حيث تحتفظ بنسبة ضخمة تبلغ 34.6% من الدين العام العالمي، وهي النسبة الأكبر بين جميع البلدان.
وفي هذا السياق، أصبح سداد الفوائد على الدين الوطني الأمريكي يشكل عبئًا متزايدًا، حيث وصل المبلغ المدفوع في 2024 إلى 892 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2034، كما أن الفوائد ستتراكم لتصل إلى 12.9 تريليون دولار خلال العقد المقبل.
أما في الصين، فتجاوزت الديون 16 تريليون دولار، مسجلة بذلك 16.1% من إجمالي الدين العالمي.
ومع اقتراب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين من 111.1% في السنوات الخمس المقبلة، تُظهر الحكومة الصينية استعدادها لتقديم حوافز اقتصادية لدعم الاقتصاد في حال فرض أمريكا ضرائب جديدة على السلع الصينية، وهو سيناريو قد يؤدي إلى زيادة أسرع في نسبة الدين مقارنة بالتوقعات الحالية.
أما في أوروبا، فتجاوزت ديون المملكة المتحدة 3.65 تريليون دولار، أي ما يعادل 101.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفوق المعدل الإقليمي الأوروبي الذي يبلغ 77.4% في 2024.
وتُعزز هذه الأرقام من فكرة أن الميزانيات الأوروبية ستواجه ضغوطًا كبيرة في المستقبل القريب، في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التوترات التجارية، بالإضافة إلى تحديات «الشيخوخة السكانية».
ويقصد بالشيخوخة السكانية زيادة نسبة كبار السن في المجتمع مقارنة ببقية الفئات العمرية، وتمثل فئة كبار السن في بريطانيا، خصوصًا الذين تتجاوز أعمارهم 65 عامًا، جزءًا متزايدًا من السكان، مما يضع ضغطًا كبيرًا على نظام الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.
على جانب آخر، تظهر الهند، التي تحتل المرتبة السابعة عالميًا في حجم الدين، تزايدًا كبيرًا في مديونيتها، إذ ارتفعت ديونها بنسبة 74%منذ عام 2019.
وعلى الرغم من ذلك، فإن السياسات الاقتصادية التي تعتمدها البلاد تُتوقع أن تساهم في انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 83.1% في 2024 إلى 80.5% بحلول 2028.
مستقبل الديون
وفي سياق أوسع، من المتوقع أن تشهد أمريكا الشمالية ارتفاعًا في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 125% بحلول 2029، وهو الرقم الأعلى بين جميع المناطق، وفي الوقت نفسه، ستتأثر آسيا وأوروبا والشرق الأوسط بتزايد هذه النسب نتيجة لاعتماد الحكومات على تدابير التحفيز الاقتصادي، وهو ما يعكس تهديدًا مستمرًا للاستدامة المالية.
ومع كل هذه التحديات، يُعد الإصلاح المالي ضرورة ملحة، حيث أشار صندوق النقد الدولي إلى ضرورة إجراء خفض في النفقات وزيادة الضرائب خلال السنوات الخمس إلى السبع المقبلة من أجل تحقيق استقرار مالي وحماية الاقتصادات العالمية من مخاطر الافتراضات المفرطة.
وبينما يزداد الدين العام، من المتوقع أن يتجاوز في 2029 نسبة 100% من الناتج المحلي العالمي، مما يعكس حجم الأعباء المالية التي ستحملها الدول الكبرى في الفترة القادمة.