كشفت جامعة بريستول البريطانية عن ابتكار أول بطارية نانو-نووية في العالم، التي تستخدم نظيرًا مشعًا مدفونًا داخل ماسة لتوليد الكهرباء، مما قد يغير بشكل جذري مفهوم الطاقة المستدامة، حيث قد تتمكن هذه البطارية من تزويد الأجهزة الصغيرة بالكهرباء لمدة تصل إلى آلاف السنين.
تعمل البطارية النووية، التي بُنيت على جهاز لترسيب البلازما في منطقة أبينجدون، بمقاطعة أوكسفوردشاير في بريطانيا، على استغلال التفاعل الذي يحدث عندما يتم وضع الماسة بالقرب من مصدر مشع، وهو ما يؤدي بشكل تلقائي إلى توليد الكهرباء، وفي هذه العملية، لا يتطلب الأمر أي حركة ميكانيكية، سواء كانت خطية أو دوارة، وهو ما يميزها عن مصادر الطاقة التقليدية التي تعتمد على تحريك المغناطيس عبر ملف أو تدوير ذراع داخل حقل مغناطيسي لتوليد تيار كهربائي، ما يعني أن البطارية لا تحتاج إلى أي طاقة إضافية لتحريك أجزائها أو أجزاء من النظام.
وفي هذا السياق، يوضح العلماء أن البطارية تعتمد على استغلال الإلكترونات السريعة التي تثيرها الإشعاعات، بشكل مشابه للطريقة التي تستخدم بها الطاقة الشمسية خلايا «الفوتوفولطية» لتحويل الفوتونات إلى كهرباء، ومن خلال هذا المبدأ، يمكن توليد تيار كهربائي مستمر لفترات زمنية طويلة جدًا، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجالات عدة.
والخلايا «الفوتوفولطية» هي خلايا تستخدم لتحويل الضوء إلى كهرباء، وهي أساس تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وتعمل عن طريق امتصاص الضوء (عادة من الشمس) باستخدام مادة شبه موصلة، مثل السيليكون، حيث يسبب الضوء الإثارة الإلكترونية داخل المادة، مما يؤدي إلى توليد تيار كهربائي.
لكن هذا ليس الاختراع الأول من نوعه من فريق الباحثين في بريستول، ففي عام 2017، قدّم الفريق نموذجًا أوليًا لبطارية نانو-نووية كانت تستخدم نظير النيكل-63 كمصدر إشعاعي، لكن في هذا المشروع الجديد، انتقلوا إلى استخدام نظير الكربون-14 المشع المدفون داخل الماس المُصنّع، وهو ما يمثل تطورًا مهمًا في تحسين كفاءة هذه البطاريات.
ويتميز نظير الكربون-14 بإشعاع قصير المدى يمتصه أي مادة صلبة بشكل سريع، مما يعني أنه لا يوجد أي خطر على البشر من هذه الإشعاعات، طالما أن الماسة التي تحتجز هذا النظير تمنع أي إشعاع من التسرب.
وعلى الرغم من أن الكربون-14 قد يشكل خطرًا إذا تم تناوله أو ملامسته مباشرة، فإن الماسة تضمن حماية تامة، إذ أن الماس يعد أقسى مادة معروفة للإنسان، ولا يوجد ما يمكن استخدامه لتوفير حماية أفضل.
المواد التي تنتج الكربون-14
يتم إنتاج الكربون-14 بشكل طبيعي في البيئة، لكنه يوجد بكميات كبيرة في كتل الجرافيت المستخدمة في التحكم بمحطات الطاقة النووية. واكتشف العلماء وجود تركيز لهذا النظير على سطح هذه الكتل، مما يعزز من قدرة الفريق على استخدامه في هذه البطاريات.
وبالنسبة للأداء، فإن بطارية نانو-نووية تحتوي على 1 جرام من الكربون-14 قادرة على توليد 15 جولًا من الكهرباء يوميًا.
وللمقارنة، يمكن لبطارية قلوية من نوع AA وزنها 20 جرامًا أن تخزن طاقة تعادل 700 جول لكل جرام، وتولّد طاقة أكبر في المدى القصير، لكن سرعان ما تنفد طاقتها خلال 24 ساعة، بالمقابل، يتمتع الكربون-14 بعمر نصف يصل إلى 5730 عامًا، مما يعني أن البطارية ستظل تعمل لنحو خمسة آلاف سنة قبل أن تنخفض طاقتها إلى 50%.
الطاقة للأجيال القادمة
تتجاوز مزايا هذه البطارية مجرد قدرتها على توفير طاقة مستدامة لفترات طويلة، حيث إن البطارية النووية المصنوعة من الكربون-14 يمكن أن تجد تطبيقات واسعة في مجالات متعددة، بدءًا من الأجهزة الإلكترونية والأدوات الطبية، وصولًا إلى السفر في الفضاء، وفي الطب، يمكن أن تجد هذه البطاريات مكانها في الأجهزة التي تحتاج إلى طاقة منخفضة لكنها تحتاج إلى الاستمرار لفترات زمنية طويلة، مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب وأجهزة الأشعة السينية التي تعمل في بيئات صعبة.
أما في الفضاء، فإن هذه البطاريات قد تُحدث ثورة في كيفية توفير الطاقة للمركبات الفضائية التي تحتاج إلى طاقة مستدامة في الرحلات الطويلة. على سبيل المثال، يمكن لمركبة فضائية مزودة بهذه البطاريات أن تصل إلى ألفا سنتوري، أقرب جيراننا النجميين، قبل أن تنفد طاقتها بشكل ملحوظ.
ولا تقتصر فوائد هذه البطارية على التطبيقات الأرضية والفضائية فقط، بل أيضًا على التطبيقات التي تعمل في بيئات قاسية، مثل معدات الحفر تحت الماء أو أدوات التحكم في المحطات النووية. وحيث إن البطارية لا تحتوي على أجزاء متحركة، فهي لا تحتاج إلى صيانة دورية، ولا تصدر أي انبعاثات كربونية، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للمستقبل.