جاءت دعوة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لنظيره الصيني، شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه الشهر المقبل، لتكون بمثابة خروج عن السياق المحدد للولايات المتحدة تجاه الصين.
وتُعد الصين التهديد الوجودي الأكبر للولايات المتحدة، وهو أمر لا يختلف عليه الرؤساء أو الإدارات المتعاقبة، خصوصًا في ظل تصاعد الحرب الباردة بين الطرفين.
وربما يكون الأمر خارج التخيل والتوقع، فعلى الرغم من أن بعض المصادر أكدت يوم الخميس أن شي لن يحضر، إلا أن فكرة توجيه دعوة للرئيس الصيني تتعارض مع السياسة المتبعة بين الدولتين من الأساس.
وبفرض أن شي قرر الحضور، فإن وجوده سيكون بمثابة مباركة للنظام الأمريكي الجديد وهو ما يتعارض أساسًا مع نظرة الصين لنفسها كقوة عالمية بارزة.
من ناحية أخرى، سيكون على شي الجلوس والاستماع إلى حديث ترامب دون أدنى سيطرة منه، بخلاف أنه هذا الموقف لن يضمن له حق الرد على أي مم يقوله الرئيس الأمريكي.
كما يُنظَر إلى حضور شي باعتباره تأييدا لانتقال السلطة ديمقراطيا ــ وهو أمر مكروه بالنسبة لحاكم مستبد في دولة ذات حزب واحد مهووسة بسحق التعبير الفردي.
أسباب دعوة ترامب الرئيس الصيني لحضور حفل تنصيبه
بحسب ما نشرته شبكة CNN فإن ترامب يعتقد أن قوة شخصيته وحدها قادرة على تحقيق أهداف دبلوماسية من خلال نهجه غير المتوقع.
وتعتبر دعوة ترامب للرئيس الصيني مثيرة للاهتمام، خصوصًا وأنه عمل خلال الأسابيع الماضية على اختيار فريق لسياسته الخارجية من المتشددين تجاه الصين ومن أبرزهم وزير الخارجية، السيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي، النائب عن ولاية فلوريدا مايك والتز.
ويرى العضوان البارزان في إدارة ترامب أن الصين تُشكل تهديدًا على عدة جبهات من حيث الاقتصاد أو في الفضاء وغيرها.
وتقول نائبة المدير وزميلة كرسي فريمان لدراسات الصين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ليلي ماكيلوي، إن تلك الخطوة تتناسب مع طبيعة قرارات ترامب غير القابلة للتنبؤ، مضيفة أن الدعوة تأتي في سياق سياسة “العصا والجزرة” التي يتبعها ترامب.
وأشارت إلى أن تلك الخطوة تعمل على تغيير شكل العلاقات مع الصين قليلًا، بالشكل الذي لا يؤثر على المصالح الأمريكية.
وتأتي مبادرة ترامب إلى شي في الوقت الذي تتزايد فيه التوقعات بأن العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين سوف تزداد سوءًا في الإدارة المقبلة، خصوصًا في ظل رغبة المسؤولين في إدارة ترامب على اتباع نفس النهج الذي رسمته إدارة بايدن تجاه الصين.
واقع العلاقات الأمريكية – الصينية
تشهد العلاقات بين البلدين توترات واضحة على عدة مستويات بداية من تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي وترى الصين أنها جزء منها، فيما تدعمها الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، تسعى الصين إلى توطيد علاقتها مع أعداء الولايات المتحدة مثل كوريا الشمالية وروسيا وإيران، وشهدت الفترة الماضية مناوشات بين الوات الجوية والبحرية للبلدين في المحيط الهادئ، بخلاف بحر الصين الجنوبي والشرقي.
ويتهم المشرعون في الحزبين الديمقراطي والجمهوري الصين بالتجسس والحصول على بياناتها الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، بخلاف عدم التزامها بالقانون الدولي وقواعد التجارة.
ولهذا فإن خطوة ترامب بدعوة شي تُعد تناقضًا فجًا مع السياسة الأمريكية المستقبلية، خصوصًا بعدما أعلن ترامب خلال حملته الانتخابية أنه سيفرض تعريفات جمركية جديدة على الواردات الصينية.
من ناحية أخرى تضع تلك التحولات السياسية المتقلبة النظر إلى قرارات الرئيس الأمريكي على المحك، وتُثير التساؤلات حلو مدى اتخاذها على محمل الجد من قبل حلفاء وخصوم الولايات المتحدة.
هل تحمل تقلبات ترامب أي فائدة؟
على الرغم من النظرة إلى خطط ترامب الفوضوية التي يشوبها القلق، إلا أن احتمالية نجاحها لا زالت قائمة.
وقد تساهم تلك التقلبات والمبادرات غير المتوقعة في اختلال توازن المنافسين، ما يفتح الباب إلى مزايا محتملة للولايات المتحدة.
وكمثال، يمكن لهذه النبرة المتقلبة في دفع شي للابتعاد عن روسيا وإيران وكوريا الشمالية، وهو ما سيكون نجاحًا كبيرًا للولايات المتحدة على مستوى السياسة الخارجية، بغض النظر عن الخلافات الأخرى بين البلدين.
ويبدو أن بكين تأخذ ترامب على محمل الجد، فقد أمضت الأسابيع التي تلت انتخاب ترامب في تجهيز أدوات انتقامية، واتخذت بعض الإجراءات على مستوى الحرب التقنية التي يخوضها البلدين.
وشملت الإجراءات فتح تحقيق مع شركة الرقائق الأمريكية إنفيديا بخصوص مكافحة الاحتكار، كما حظرت الصين تصدير العديد من المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.
وفي ظل تلك الضربات الانتقامية من الطرفين وخصوصًا التعريفات الجمهورية المزمعة، فإن الانعكاسات على الطرفين سيتكون كارثية، إذ ستؤدي رفع الأسعار في الولايات المتحدة وتفاقم نقاط الضعف الاقتصادية في الصين.