تقنية

تاريخ تطور السيارات.. من عربة «دافنشي» إلى مركبة تقود نفسها

منذ كانت خيالًا رسمه ليوناردو دافنشي في القرن السادس عشر، وحتى غدت تقود نفسها وتجوب شوارع المدن اليوم، قطعت السيارة مسارًا طويلًا حافلًا بالابتكار والتطور.

تحمل قصة اختراع السيارة، هذه الوسيلة التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، سردية تطور مذهلة تعكس جانبًا حضاريًا من تقدم البشرية، حيث لم تأت ولادتها نتيجة لحظة واحدة، بل تتويجًا لتاريخ طويل من الابتكار والتجارب.

الحلم الذي قاده المخترعون الأوائل

تبدأ قصة السيارة منذ القرن السادس عشر، حين رسم ليوناردو دافنشي تصميمًا لعربة ميكانيكية تتحرك ذاتيًا، لكنها ظلت حبيسة أوراقه، حتى جسّد الفرنسي «نيكولا جوزيف كونيو»، في القرن الثامن عشر، فكرة المركبة الذاتية لأول مرة من خلال عربة بخارية بطيئة الحركة صنعت لنقل المدافع، وعلى الرغم من أنها لم تكن عملية، فإنها مهدت الطريق لفكرة العربات التي تتحرك دون تدخل الخيول.

ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت محاولات أخرى مثل عربات الرياح في الصين والآلات ميكانيكية في أوروبا، ورغم أن هذه الاختراعات كانت محدودة في نطاقها، فإنها ساهمت في إثارة خيال المخترعين حول إمكانيات الحركة الذاتية.

وفي عام 1886 كان العالم على موعد مع تغيير جذري، حينما حصل المهندس الألماني «كارل بنز» على براءة اختراع أول سيارة حديثة تعمل بمحرك احتراق داخلي وتستخدم الوقود.

حمل اختراعه اسم «موتورفاجن»، وتميز بتقنيات مبتكرة آنذاك مثل شمعات الإشعال والكاربراتير والمشعّ، لكن النجاح لم يكن ليأتي بسهولة لولا الجرأة التي أظهرتها زوجته «برثا بنز»، ففي عام 1888، قامت برحلة طويلة على متن إحدى السيارات لتحسين التصميم والترويج للفكرة، مما أثبت للجمهور أن السيارة ليست مجرد تجربة علمية بل وسيلة نقل عملية.

القلب النابض للسيارة

لعب محرك الاحتراق الداخلي دورًا محوريًا في تحويل السيارة من مجرد فكرة إلى وسيلة نقل فعالة، ويُعزى تطور هذا المحرك إلى سلسلة من الابتكارات التي بدأت في القرن السابع عشر مع تصميم «كريستيان هوجنس» لمحرك يعمل بالبارود، قبل أن يضيف «نيكولاس أوتو» عام 1876 نقلة نوعية بتطويره المحرك رباعي الأشواط، الذي يُعد اليوم الأساس لمعظم المحركات الحديثة.

ولعل ذلك القرن أيضًا الذي شهد كافة الإرهاصات التي بنت السيارات عليها تطورها لاحقًا، فرغم أن السيارات الكهربائية تُعد رمزًا للمستقبل، فإن جذورها تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر نفسه، حين طور المخترع الأمريكي «توماس دافنبورت» في ثلاثينياته نموذجًا بدائيًا لمركبة كهربائية، قبل أن يُحدث الفرنسي «جاستون بلانتي» ثورة بابتكاره أول بطارية قابلة لإعادة الشحن عام 1865.

وفي بداية القرن العشرين، تفوقت السيارات الكهربائية لفترة وجيزة على نظيراتها التي تعمل بالوقود، لكنها سرعان ما فقدت شعبيتها مع ظهور سيارات «هنري فورد» منخفضة التكلفة، التي استطاعت تلبية احتياجات التنقل لمسافات طويلة.

عودة السيارات الكهربائية

مع مطلع الألفية، شهدت السيارات الكهربائية عودة قوية مدفوعة بمخاوف تغير المناخ وتطور تقنيات البطاريات، حيث قادت شركات مثل «تسلا» هذا التحول بإنتاجها سيارات كهربائية متطورة ذات مدى طويل، كما انضمت شركات كبرى مثل «نيسان» و«جنرال موتورز» إلى السباق بإطلاق طرازات ميسورة التكلفة مثل «ليف» و«فولت».

وبحلول عام 2023، وصلت مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة إلى 1.4 مليون وحدة، مما يعكس تحولًا جذريًا في تفضيلات المستهلكين وسوق السيارات العالمي.

واليوم، تتجه الأنظار نحو مستقبل السيارات الكهربائية والمركبات ذاتية القيادة، فبينما تستمر الشركات في تحسين كفاءة البطاريات وخفض تكلفتها، يشهد مجال القيادة الذاتية تقدمًا سريعًا، وأصبحت شركات مثل «وايمو» و«تسلا» رائدة في هذا المجال، حيث تطور مركبات قادرة على التنقل دون تدخل بشري.

رغم ذلك، لا تزال السيارات ذاتية القيادة تواجه تحديات تقنية وتنظيمية عديدة، يأتي في مقدمتها ضمان السلامة العامة وكسب ثقة المستهلكين. ومع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وشبكات الاتصال، يبدو أن المستقبل يحمل فرصًا واعدة لهذا النوع من المركبات.

وهكذا، لا تقتصر هذه الرحلة الممتدة على مدى 15 قرنًا على كونها قصة تطور آلي فحسب، بل تعكس روح الإبداع الإنساني المستمر، الأمر الذي يصعب معه تحديد مخترع واحد ونهائي للسيارة، التي كانت ثمرة جهود جماعية لمبتكرين متعددين، جمعوا بين الإبداع العلمي والجرأة في مواجهة التحديات.

ومن عربة بخارية بطيئة إلى سيارة كهربائية وذاتية القيادة، أظهرت هذه الوسيلة قدرتها على التكيف مع متغيرات العصر واحتياجات البشر المتزايدة. وبينما نتطلع إلى المستقبل، يظل السؤال قائمًا: كيف ستكون السيارة بعد مئة عام؟