في ظل سعي العالم الحثيث للحد من انبعاثات غازات الدفيئة ومكافحة آثار تغير المناخ، يبرز الهيدروجين كمصدر طاقة واعد ونظيف، يفتح آفاقًا جديدة في مجال التحول العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
إذ يُعد هذا الغاز، رغم عدم وجوده في حالته الغازية بشكل طبيعي، ناقلًا للطاقة لا مصدرًا لها، حيث يتم استخراجه عبر عمليات تحول معقدة من مصادر طاقة أخرى، مما يجعله عنصرًا حيويًا في استراتيجيات إزالة الكربون، لاسيما من خلال فئتيه الأشهر: الهيدروجين الأزرق والأخضر.
بين اللونين
يعتمد الهيدروجين الأزرق في إنتاجه على الغاز الطبيعي، حيث يتم دمجه مع بخار الماء لتوليد غاز الهيدروجين، مع استخدام تقنيات لالتقاط الكربون الناتج، مما يساعد في تقليص تأثيرات الاحتباس الحراري.
في المقابل، يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال التحليل الكهربائي للماء باستخدام الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، ليتم إنتاجه دون أي انبعاثات ضارة، ما يجعله أحد أنظف مصادر الطاقة المتاحة حاليًا.
ورغم الفوائد البيئية للهيدروجين الأخضر، فإن إنتاجه العالمي في عام 2023 أظهر تباينًا ملحوظًا بين المناطق، إذ هيمن الهيدروجين الأزرق على الأسواق العالمية بإنتاج وصل إلى حوالي 4658.3 كيلوطن، بينما تم إنتاج 147.6 كيلوطن فقط من الهيدروجين الأخضر.
غير أن هذا التفاوت لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى أن الهيدروجين الأزرق يعتمد على البنية التحتية القائمة للغاز الطبيعي، مما يجعله أكثر فعالية من حيث التكلفة والتطبيق.
تفوق أمريكي
في هذا السياق، تصدرت أمريكا الشمالية قائمة الدول المنتجة للهيدروجين الأزرق، حيث بلغ إنتاجها 2091.6 كيلوطن، أما منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ف أظهرت تقدمًا كبيرًا في هذا المجال أيضًا، إذ بلغ إنتاجها 1929.7 كيلوطن من الهيدروجين الأزرق.
رغم ذلك، تفوقت هذه المنطقة في مجال الهيدروجين الأخضر، حيث بلغت حصتها 93.6 كيلوطن، متفوقة بذلك على جميع المناطق الأخرى في الإنتاج الأخضر.
بينما في أوروبا، ورغم سجلها المتميز في مجال الهيدروجين الأزرق الذي بلغ 44.1 كيلوطن، فإن إنتاجها من الهيدروجين الأخضر (31.6 كيلوطن) يشير إلى تزايد الاهتمام بتحفيز الابتكار في هذا المجال.
تحديات الطاقة
وتكمن إحدى أبرز القضايا في أن الهيدروجين الأخضر، رغم فوائده البيئية العظيمة، يواجه تحديات هائلة تتعلق بتكاليف تقنيات التحليل الكهربائي والطاقة المتجددة المطلوبة لإنتاجه.
وتجعل هذه التحديات من الصعب تلبية الطلب العالمي على هذا النوع من الهيدروجين في الوقت الراهن. ففي الصين، على سبيل المثال، شهدت السنوات الأخيرة استثمارات ضخمة في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، بما في ذلك مشاريع واسعة في مناطق منغوليا الداخلية وشنجيانج
وفي اليابان، أعلنت شركة ميتسوبيشي عن استثمار ضخم بقيمة 690 مليون دولار لتطوير أكبر مصنع في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في هولندا، بالتعاون مع شركة إينكو الهولندية. ولكن بالرغم من هذه المبادرات، تبقى تكلفة تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر عقبة رئيسية في طريق انتشاره على نطاق واسع.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الهيدروجين الأزرق هو الحل الأكثر إمكانية للانتشار العالمي في الوقت الحالي، بفضل اعتماده على البنية التحتية المتاحة للغاز الطبيعي. إذ يمثل خيارًا أسرع وأقل تكلفة من الهيدروجين الأخضر، ما يجعل منه حلًا ملائمًا لتلبية احتياجات الطاقة في الوقت الذي يجري فيه العمل على تطوير تقنيات أكثر استدامة.
وما بين هذا وذاك، تشير الرهانات العالمية على الهيدروجين إلى تحول جذري في مشهد الطاقة، حيث يسعى الجميع إلى تطوير تقنيات أكثر كفاءة وأنظف. وبينما يواجه الهيدروجين الأخضر صعوبة في توسيع نطاقه بسبب تكاليفه المرتفعة، يظل الهيدروجين الأزرق يمثل الخيار الأقرب لتحقيق الأهداف البيئية والحد من انبعاثات الكربون في المرحلة الحالية.