في لحظة تجمع بين المأساة العائلية والتحديات السياسية، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس الأحد، عفوه عن ابنه هنتر بايدن، الذي كان يواجه أحكامًا في قضيتين جنائيتين، وهو قرار وإن كان يحمل أبعادًا إنسانية عميقة، فإنه يثير في الوقت ذاته تساؤلات حول مبادئ العدالة وازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية، حسبما يرى المحلل السياسي ديفيد سميث، في مقاله بصحيفة الجارديان.
وفقًا لسميث، فإن بايدن، الذي لطالما قدم نفسه كمدافع عن المؤسسات الديمقراطية واحترام الفصل بين السلطات، وجد نفسه في صراع داخلي بين العقل والقلب، فالقرار لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل تعبيرًا عن حب أبوي عميق لرجل عاش حياة مليئة بالتحديات، بدءًا من معركة الإدمان وصولًا إلى كونه أول ابن لرئيس أمريكي يواجه تهمًا جنائية أثناء ولاية والده.
وأدين هنتر بايدن، الذي يعد أول ابن لرئيس أمريكي يواجه تهمًا جنائية خلال ولاية والده، هذا الصيف بالكذب بشأن تعاطيه المخدرات أثناء شرائه سلاحًا ناريًا، كما اعترف بتهم التهرب الضريبي في قضية منفصلة، وكان ينتظر الحكم عليه في كلا القضيتين.
ويصف سميث بايدن بأنه رجل شكّلته خسائر شخصية كبيرة، من وفاة زوجته الأولى وابنته الصغيرة في حادث سيارة، إلى رحيل ابنه بو بسبب السرطان، وفي هذا السياق، فإن قضية هنتر كانت مثل «ضربة جديدة في أماكن مكسورة»، على حد تعبير الكاتب.
ويشير الكاتب الإنجليزي إلى أن العفو جاء نتيجة «معركة شكسبيرية» بين التزام بايدن بمبادئ العدالة وبين ولائه لعائلته، حيث أكد الرئيس مرارًا أنه لن يتدخل في شؤون القضاء، قائلًا «سأحترم قرار هيئة المحلفين ولن أعفو عن ابني»، ومع ذلك، تغيرت الموازين بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما أثار مخاوف بايدن من استغلال وزارة العدل تحت قيادة ترامب كأداة انتقام سياسي.
ويوضح سميث أن بايدن استغرق شهورًا من التأمل والتشاور مع عائلته قبل أن يتخذ قراره، خاصة خلال عطلة عيد الشكر، وفي بيانه، وصف بايدن القضية بأنها «إجهاض للعدالة»، قائلًا «هنتر استُهدف فقط لأنه ابني، وهذا خطأ»، مشددًا على أن الهجمات على ابنه كانت تهدف أيضًا إلى كسره شخصيًا.
مقارنة مع تاريخ العفو الرئاسي
ويعيد سميث القرار إلى سياق أكبر من السياسات الأمريكية التي شهدت حالات مشابهة، حيث أشار إلى أن بيل كلينتون منح العفو لشقيقه بسبب قضايا متعلقة بالمخدرات، بينما استخدم دونالد ترامب سلطته الرئاسية للعفو عن والد زوج ابنته في قضية تهرب ضريبي، فضلًا عن سلسلة من قرارات العفو التي شملت حلفاء سياسيين.
ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن قرار بايدن جاء في توقيت حساس، حيث لم يكمل هنتر تنفيذ أي عقوبة، مما يجعل العفو يبدو، في نظر البعض، وكأنه استفادة مباشرة من السلطة الرئاسية.
ويبرز سميث كذلك، في مقاله، الانتقادات الواسعة التي قوبل بها القرار، حتى من داخل الحزب الديمقراطي، حيث وصف حاكم ولاية كولورادو، جاريد بوليس، الخطوة بأنها «سابقة خطيرة»، معربًا عن خشيته من استغلالها من قِبل رؤساء مستقبليين.
في المقابل، يدافع مؤيدو بايدن عن قراره بعدّه ردًا على استهداف سياسي غير عادل، مشيرين إلى أن أي مواطن عادي لم يكن ليواجه محاكمة بهذه القضايا البسيطة، كما أكد المدعي العام السابق إريك هولدر.
نظرة إلى المستقبل
كما يشير مقال «الجارديان»، فإن قرار بايدن لن يمر دون تداعيات سياسية، فهو يوفر فرصة لترامب وأنصاره لإبراز ما وصفوه بـ«ازدواجية المعايير»، مما قد يعزز شعبيته بين مؤيديه، وفي الوقت ذاته، يعيد القرار فتح النقاش حول الأخلاقيات الرئاسية وحدود استخدام السلطة التنفيذية.
ولكن في النهاية يبقى التساؤل مفتوحًا: هل كان قرار بايدن تعبيرًا عن حب أبوي في ظل ظروف سياسية خانقة، أم أنه علامة على نزعة إنسانية تتجاوز المبادئ المؤسساتية؟