في المشهد السياسي الأميركي، تُعد سلطة العفو الرئاسي واحدة من أبرز الصلاحيات المثيرة للجدل، إذ تتيح للرئيس إصدار عفو عن أي شخص حتى في حالات قد تصل إلى الخيانة.
ومؤخرًا أثارت هذه السلطة اهتمامًا واسعًا مع مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب اتهامات فدرالية تتعلق بتدخله في الانتخابات، مما يطرح سؤالًا عن إمكانية عفوا ترامب عن نفسه بعد أن أُعيد انتخابه؟ أو هل سيتكرر مشهد شبيه بما فعله جيرالد فورد مع سلفه ريتشارد نيكسون، حيث منحه عفوًا رئاسيًا غير مشروط عن أي جرائم قد يكون ارتكبها أثناء فترة رئاسته.
جذور سلطة العفو الرئاسي
تعود سلطة العفو الرئاسي إلى الدستور الأميركي لعام 1787، عندما اقترح ألكسندر هاميلتون هذه الصلاحية لتعزيز «هدوء الدولة» خلال أوقات الاضطرابات، وهي فكرة مستوحاة من القوانين البريطانية التي منحت الملوك القدرة على العفو، وكذلك حكام المستعمرات الأميركية.
ورغم المعارضة، صوّت المؤسسون لصالح منح الرئيس حق العفو حتى في قضايا الخيانة، مع استثناء وحيد، إنه «لا يمكن استخدام هذه السلطة لوقف إجراءات العزل».
ويتمتع الرئيس بحسب هذه السلطة بأربعة أنواع من العفو، هي الإعفاء الكامل من الجريمة، تخفيف العقوبة، إسقاط الالتزامات القانونية مثل الغرامات، وتأجيل تنفيذ الأحكام، لكن الجدل حول هذه الصلاحية لم يهدأ منذ البداية، حيث اعترض جورج ميسون، أحد واضعي الدستور، محذرًا من احتمال إساءة استخدامها لتبرئة المتآمرين مع الرئيس نفسه.
وفي أول اختبار لسلطة العفو، أظهر الرئيس جورج واشنطن روح الرحمة عندما عفا في عام 1795 عن اثنين من قادة تمرد الويسكي، وهو تمرد مسلح ضد ضريبة فرضتها الحكومة على المشروبات الكحولية، وجاءت هذه الخطوة من واشنطن لـ«التخفيف المعقول للعدالة».
عفو مثير للجدل عبر التاريخ
لكن ما كان جورج ميسون يخشاه، من إساءة استخدام تلك الأداة، ربما يكون تحقق في عدد من قرارات العفو التي شهدتها الولايات المتحدة وأثارت جدلًا واسعًا.
ففي عام 1862، رفض الرئيس أبراهام لنكولن تنفيذ إعدام جماعي لـ265 من رجال قبيلة داكوتا الذين أدينوا بعد محاكمات جائرة خلال انتفاضة دامية في مينيسوتا، بينما أُعدم 38 منهم، وهي أكبر عملية إعدام جماعي في تاريخ البلاد، وهو ما أثار استياءً السياسي.
وبعد الحرب الأهلية، أصدر الرئيس أندرو جونسون عفوًا عامًا عن معظم المتمردين الكونفدراليين، وخلال فترة حكمه، منح أكثر من13 ألف عفو شخصي، بما في ذلك لكبار المسؤولين الكونفدراليين، الذين عادوا لاحقًا للمساهمة في بناء نظام جيم كرو العنصري في الجنوب الأميركي.
أخطر السيناريوهات
بينما جاء أحد أكثر قرارات العفو إثارة للجدل في عام 1974، عندما منح الرئيس جيرالد فورد عفوًا غير مشروط لسلفه ريتشارد نيكسون عن أي جرائم قد يكون ارتكبها خلال فضيحة ووترجيت، حيث اعتقد فورد حينها أن محاكمة نيكسون ستزيد من انقسام الأمة، لكن هذه الخطوة كلفته شعبيته ومستقبله السياسي.
عفو آخر بارز صدر في 1977 عندما منح الرئيس جيمي كارتر عفوًا عن آلاف المتهربين من الخدمة العسكرية خلال حرب فيتنام، في محاولة لتضميد الجراح الوطنية.
هل يمكن للرئيس العفو عن نفسه؟
لكن يبقى السؤال الأكثر تعقيدًا: هل يحق للرئيس عفو نفسه؟
لا تقدم النصوص الدستورية إجابة واضحة، في حين يرى بعض القانونيين أن غياب النص الصريح يمنح الرئيس هذا الحق، بينما يعتقد آخرون أن ذلك يتعارض مع مبدأ عدم جواز أن يكون الشخص قاضيًا في قضيته الخاصة.
وحتى الآن، لم يجرؤ أي رئيس على اختبار هذه الفرضية، وفي حال حدوث ذلك، فمن المتوقع أن تؤدي الخطوة إلى معركة قانونية قد تحسم الأمر قضائيًا، لكن، حتى لو مُنح الرئيس عفوًا فيدراليًا، فإن ذلك لا يمنحه الحماية من الملاحقة القضائية على مستوى الولايات، بسبب طبيعة نظام القضاء المزدوج في الولايات المتحدة، حيث يتمتع كل من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات بسلطات قضائية مستقلة، ففي حين يمنح الدستور الأميركي الرئيس سلطة العفو عن الجرائم المرتكبة ضد الولايات المتحدة، أي الجرائم الفيدرالية فقط، فإن هذه السلطة لا تمتد إلى الجرائم التي تُرتكب ضد قوانين الولايات، والتي تندرج تحت اختصاص سلطات الولايات القضائية كل على حدة.